سورة سبأ
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي له الحمد على نعم الدنيا ، لأن كل ما في السماء (١) والأرض نعمة من الله لأهلها ، فيجب الحمد والثناء عليها (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) أي على نعم الآخرة التي هي الثواب وهو وإن لم يكن واجبا لأنه ليس يتعبد لكنه تتمة سرور أهل الإيمان والتقوى (٢) والتذاذهم به التذاذ المتعطش بالماء البارد (وَهُوَ الْحَكِيمُ) أي المحكم لما في داريه (الْخَبِيرُ) [١] أي العالم المحيط بكل كائن يكون.
(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢))
قوله (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) بيان لما يحيط به علمه ، أي يعلم ما يدخل (فِي الْأَرْضِ) كماء الغيث وحيوان ونبات وأموات وكنوز (وَ) يعلم (ما يَخْرُجُ مِنْها) كماء العيون والدواب والنبات والأشجار والأحجار من جواهر الأرض والأموات عند البعث (وَ) يعلم (ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من المطر والثلج والبرد والصاعقة والبركة في الرزق والملائكة والمقادير (وَ) يعلم (ما يَعْرُجُ) أي يصعد (فِيها) كالملائكة وأعمال العباد (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [٢] للمفرطين في أداء مواجب شكر نعمه لخوف أهوال الساعة.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) استهزاء وإنكارا للبعث ، فقال تعالى لرسوله عليهالسلام (قُلْ) مقسما (بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) أي الساعة البتة فأوجب ما بعد النفي ب (بَلى) على معنى ليس الأمر إلا اتيان الساعة ، وأكده باليمين بربه ، ثم زاد التأكيد على اتيان الساعة ، وصف المقسم به بعلم الغيب على وجه الاختصاص بقوله (عالِمِ الْغَيْبِ) رفع على المدح ، أي هو عالم كل غيب ، وقرئ بالجر (٣) بدلا من (رَبِّي) وعلام الغيب للمبالغة في وصفه بالعلم (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) أي لا يبين ولا ينفصل عن الله تعالى (مِثْقالُ ذَرَّةٍ) وهي النملة الصغيرة أو ما يرى في الشعاع (٤)(فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) والواو في (وَلا أَصْغَرُ) للابتداء لا للعطف لفساد المعنى ، لأنه يلزم منه أن يعزب عنه أصغر من مثقال ذرة في كتاب مبين وهو باطل ، والمراد أنه لا أصغر (مِنْ ذلِكَ) المثقال (وَلا
__________________
(١) في السماء ، وي : في السموات ، ح.
(٢) والتقوى ، وي : ـ ح.
(٣) «عالِمِ الْغَيْبِ» : قرأ المدنيان ورويس والشامي بألف بعد العين وكسر اللام وتخفيفها ورفع الميم ، وحمزة والكسائي بحذف الألف بعد العين وفتح اللام وتشديدها وألف بعدها وخفض الميم ، والباقون كنافع إلا أنهم يخفضون الميم. البدور الزاهرة ، ٢٥٨.
(٤) في الشعاع ، وي : ـ ح.