عنكم سيئاتكم (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) [٧١] أي نال عنده غاية مطلوبه ، ولما قال ومن يطع الله ورسوله وعلق بالطاعة الفوز العظيم أتبعه قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) وهي الطاعة فعظم أمرها وفخم شأنها ، وقيل : الأمانة كل ما افترض على العباد من صلوة وصيام وزكوة وأداء دين وكتم الأسرار (١) ، وقيل : الوفاء بالعهود (٢) ، فعرضت الأمانة بما فيها على هذه الأجرام العظام يعني (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) عرض تخيير فقلن مستفهمات وما فيها ، فقيل : إن أحسنتن جوزيتن بالثواب وإن عصيتن عوقبتن (٣) ، وقيل : إنه تمثيل والممثل به في الآية مفروض لا محقق والمفروضات يتخيل في الذهن كالمحققات ، يعني مثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت على هذه الأجرام العظام الجمادات (٤)(فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) لعظم ذلك التكليف وثقل محمله مع جماديتها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) فيكون العرض والإباء والإشفاق مجازا من فرض إرادة التكليف منها وامتناعها من صعوبته وتجهيلا للإنسان حيث عرضت الأمانة عليه وحملها مع ضعفه من غير وفاء لها ، والمراد منه آدم أو الكافر أو الجنس (إِنَّهُ) أي إن الإنسان (كانَ ظَلُوماً) لنفسه عاصيا لربه لكونه تاركا لأداء الأمانة التي تحملها من ربه (جَهُولاً) [٧٢] لما افترض عليه ولعاقبة تركه مخطئا عما يسعده مع تمكنه منه وهو أداؤها مع كونه حيوانا عاقلا صالحا للتكليف ، وقيل : إن هذه الأجرام العظام عند الأمانة ركب فيها عقل فاقتضى حالها ذلك (٥) ، وقيل : أريد منها أهلها فلا يكون تمثيلا ويكون الإباء والإشفاق حقيقة (٦) ، واللام في (لِيُعَذِّبَ اللهُ) تعليل لعرض الأمانة ، أي عرضها للإنسان ليعذب الله (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) وهم الذين خانوا الأمانة ولم يفوا بها (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي وليتوب على من وفى بها من أهل الإيمان ، يعني يقبله ويثيب عليه ، فالمعنى : أن عرض الأمانة منه تعالى ليظهر شقاوة هؤلاء وسعادة هؤلاء (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب (رَحِيماً) [٧٣] لمن أطاع.
__________________
(١) ذكر ابن مسعود نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٩٢.
(٢) نقله عن البغوي ، ٤ / ٤٩٢.
(٣) أخذ المصنف هذا المعنى عن البغوي ، ٤ / ٤٩٢.
(٤) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٥ / ٥٧.
(٥) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤٩٢.
(٦) اختصره من البغوي ، ٤ / ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ؛ والكشاف ، ٥ / ٥٧.