الجهات كما ترى البضعة تدور في القدر إذا غلب ، والمراد بالوجوه أربابها ، أي ترفعهم النار إلى أعلاها ثم تخفضهم إلى أسفلها دائما ، قوله (يَقُولُونَ) حال ، أي يقول التابع والمتبوع (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [٦٦] وَقالُوا) أي الأتباع (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) في الكفر وهم مقدموهم (١) ورؤساؤهم الذين لقنوهم الشرك وزينوه لهم (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [٦٧] أي أخطؤا بنا طريق الهداية.
(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨))
(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) أي عذبهم مثلي عذاب غيرهم وارفع عنا العذاب واحمله عليهم ، لأنهم أضلونا (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) [٦٨] بالباء (٢) من الكبر من الكثرة ، أي عذبهم عذابا (٣) عظيما أو دائما ، وزيادة الألف في (الرَّسُولَا) و (السَّبِيلَا) كما في (الظُّنُونَا)(٤) لإطلاق الصوت ، وفائدتها الوقف والدلالة على قطع الكلام واستئناف ما بعده.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا) في إيذاء النبي عليهالسلام (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) بأن رموه بالأدرة وهي مرض الانثيين وبالبرص في جسده ، فاطلعهم الله على أنه بريء منه ، روي : أنه وضع ثوبه على الحجر ليتوضأ ويغتسل فهرب الحجر بثوبه حتى وقف (٥) بين يدي (٦) ملأ بني إسرائيل ، فأدركه فضربه ثنتي عشرة ضربة ، فرأوه أحسن الناس جسدا (٧) ، وهو معنى قوله (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) أي من العيب (٨) في حقه ، ف «ما» موصولة ، أي من الذي قالوه ، ويجوز أن يكون مصدرية ، أي من قولهم ، والمراد مضمونه وهو الأمر المعيب (وَكانَ) موسى (٩)(عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [٦٩] أي ذا قربة ووجاهة فكيف يوصف بعيب ونقيصة؟ وقيل : قالت السفهاء في حقه أنه قتل هرون ودفنه ، وكان قد خرج معه إلى الجبل فمات هناك فحملته الملائكة ، ومروا به عليهم ميتا فأبصروه حتى عرفوا أنه غير مقتول أو أحياه الله فأخبرهم ببراءة موسى عن قتله (١٠) ، وقيل : هو اتهامهم بالمراد الفاجرة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها (١١) ، فالمعنى : أنكم لا تؤذوا رسول الله كما آذت بنو إسرائيل موسى فهلكوا بالخوض في حديث زينب وأمثاله من غير سداد بالقول وصدقه وأكد النهي عن إيذاء الأنبياء وغيرهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي عظموه بالصدق (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [٧٠] أي قولا قاصدا إلى الحق والعدل ، فالغرض من الآيتين النهي عن الخوض فيما لا يعنيهم والبعث على حفظ اللسان في كل باب ، فانه رأس الخير كله ، والمعنى : راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم.
(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))
(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي يوفقكم الله في اتيان الأعمال الصالحة المرضية (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي يكفر
__________________
(١) مقدموهم ، وي : متقدموهم ، ح.
(٢) «كبيرا» : قرأ عاصم بالباء الموحدة ، وغيره بالثاء الثلثة. البدور الزاهرة ، ٢٥٨.
(٣) عذابا ، وي : ـ ح.
(٤) الأحزاب (٣٣) ، ١٠.
(٥) به ، + و.
(٦) يدي ، ح ي : ـ و.
(٧) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٦٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٩٠.
(٨) أي من العيب ، و : من العيب ، ح ي.
(٩) موسى ، وي : ـ ح.
(١٠) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٥٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٦٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٩١.
(١١) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٤٩١.