قل للمذكورات أدنين أزركن واستترن ، قوله (يُدْنِينَ) مقول القول أي يرخين (عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) جمع جلباب وهو الثوب الذي تشتمل به المرأة ، و (مِنْ) للتبعيض ، يعني قل لكل واحدة منهن أن ترخي بعض جلبابها على رأسها ووجهها إلا عينا واحدة حتى تتميز من الأمة (ذلِكَ) الفعل (أَدْنى) أي أقرب إلى (أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) بتعرض ذي ريبة ونفاق لهن (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب عما سلف (رَحِيماً) [٥٩] له بالجنة.
(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠))
ثم خوفهم لينزجروا عن النفاق والعمل السوء فقال (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عن نفاقهم وفجورهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم قوم فيهم ضعف إيمان وقلة ثبات عليه (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) وهم ناس كانوا يرجفون ، أي يزلزلون قلوب المسلمين بالأخبار السوء يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيقولون هزموا وقتلوا ، من الرجفة وهي الزلزلة ، ومن الإرجاف وهو الإخبار بالشيء على غير حقيقته ، أي لئن لم ينته المذكورون عما يقولون ويفعلون (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنسلطنك عليهم بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسؤوهم وتضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) جواب آخر للقسم المتقدم في (لَنُغْرِيَنَّكَ) عطف عليه ب (ثُمَّ) لبعد حاله عن حال المعطوف عليه ، أي لا يساكنونك (فِيها) أي في المدينة (إِلَّا) زمانا (قَلِيلاً) [٦٠] حتى يخرجوا منها ربما يرتحلون عنك أذلاء.
(مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١))
قوله (مَلْعُونِينَ) نصب حال من فاعل (لا يُجاوِرُونَكَ) ، وقيل : نصب على الشتم (١)(أَيْنَ ما ثُقِفُوا) أي وجدوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [٦١] أي قتلا كثيرا كما قتل أهل بدر.
(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))
(سُنَّةَ اللهِ) أي سن الله سنة (فِي الَّذِينَ خَلَوْا) أي مضوا (مِنْ قَبْلُ) وهم الذين نافقوا الأنبياء أن يقتلوا حيث ما أدركوا (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [٦٢] أي مبدلا ومغيرا ، يعني استمر هذا الحكم فيهم من غير تبديل.
(يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣))
قوله (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) نزل حين كان المشركون يسألون عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء ، واليهود يسألونه عنها امتحانا ، لأن الله عمى وقتها في التورية وغيرها من الكتب ، فأمر رسول الله بقوله (٢)(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) أن يجيبهم بأن علم الساعة عند الله ، أي هو مختص به لا يطلع عليه ملكا ولا نبيا ، ثم أومى إلى قربها فقال (وَما يُدْرِيكَ) بها (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ) شيئا (قَرِيباً) [٦٣] تهديدا للمستعجلين وإسكاتا للممتحنين.
(إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥))
(إِنَّ اللهَ لَعَنَ) أي عذب (الْكافِرِينَ) وهم المكيون بالقتل ببدر (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) [٦٤] أي نارا هي الشديدة الإيقاد في الآخرة.
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) أي قريبا ينفعهم (وَلا نَصِيراً) [٦٥] يمنعهم من العذاب.
(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧))
قوله (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ظرف لقوله (لا يَجِدُونَ) ، ومعنى تقليب وجوههم تصريفها في
__________________
(١) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٥٥.
(٢) وقد أخذه المصنف عن الكشاف ، ٥ / ٥٥.