(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦))
ثم نزل تعظيما للنبي عليهالسلام (١)(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ) أي الله يصلي وملائكته (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) صلىاللهعليهوسلم (٢) حذف الخبر لدلالة (يُصَلُّونَ) عليه ، وصلوة الله الرحمة ، وصلوة الملائكة الاستغفار ، وصلوة المؤمنين الدعاء ، فمعنى قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) ادعوا له ليترحم عليه الله (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [٥٦] ليسلمه الله بقولكم الصلوة والسّلام على رسول الله ، قيل : سئل رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال : «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» (٣) ، وقال : «صلوا علي ، فان الصلوة علي زكوة لكم» (٤) ، فبعض أوجبها كلما ذكر لقوله عليهالسلام : «من ذكرت بين يديه فلم يصل علي دخل النار» (٥) ، وبعض أوجبها مرة في المجلس وإن كرر ذكره كسجدة التلاوة وتشميت العاطس ، وبعض أوجبها في العمر مرة ، وكذا الخلاف في الشهادتين ، والأفضل أن يصلى عليه كلما ذكر صلىاللهعليهوسلم ثم الصلوة عليه في الصلوة ليست بشرط عند أبي حنيفة والشافعي قد جعلها شرطا ، وأما الصلوة على غير النبي فجائزة على سبيل التبع ، إفراد غيره بها مكروه ، لأنها شعار لذكر رسول الله ولأنه يفضي إلى الاتهام بالرفض (٦).
(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية نزل حين نسب اليهود والنصارى إلى الله تعالى ما لا يليق به كالشريك والولد ، وإلى رسوله بالكذب والسحر وغيرهما (٧) ، أي إن من يؤذي الله بنسبة الولد والشريك إليه والمعصية عليه وهو منزه عن الأذي بفعل ما يكرهه ويسخطه ، ويؤذي رسوله بتكذيبه وشج وجهه وكسر رباعيته (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا) بالقتل (وَالْآخِرَةِ) بالنار (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) [٥٧] أي عذابا يهانون به أبدا.
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))
ثم نزل نهيا عن أذى المؤمنين ظلما (٨)(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي بغير استحقاقهم للأذى ، وقيل : نزل في المنافقين الذين يؤذون عليا رضي الله عنه ويسمعونه (٩) ، وقيل : في زناة يتبعون النساء وهن كارهات (١٠)(فَقَدِ احْتَمَلُوا) أي تحملوا (بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [٥٨] أي بينا.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩))
قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) نزل حين كانت النساء أول الإسلام غير صائنات أنفسهن كما في الجاهلية تبرز المرأة في درع وخمار لا فصل بين الحرة والأمة ، وكان أهل الشطارة يتعرضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان ، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، وكانوا يقولون حسبتها أمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بستر الوجوه والرؤوس ولبس الأردية والملاحف (١١) ، فقال
__________________
(١) وهذا مأخوذ عن البيضاوي ، ٢ / ٢٥١ ؛ وانظر أيضا القرطبي ، ١٤ / ٢٣٢.
(٢) صلىاللهعليهوسلم ، وي : ـ ح.
(٣) أخرجه مسلم ، الصلوة ، ٦٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٩.
(٤) رواه أحمد بن حنبل ، ٢ / ٣٦٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٩.
(٥) ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها. وروى الترمذي في سننه في الدعوات ، ١٠١ : «البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي».
(٦) نقل المؤلف هذه الأقوال عن الكشاف ، ٥ / ٥٣.
(٧) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٦٠.
(٨) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٦٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٨٧.
(٩) عن مقاتل ، انظر الواحدي ، ٣٠٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٨٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥٤.
(١٠) عن الضحاك والسدي والكلبي ، انظر الواحدي ، ٣٠٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٨٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٥٤.
(١١) نقله المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٥٤.