وتهيأه للأكل ، المعنى : اجتنبوا دخول بيته إذا لم تدعوا ، نزل حين كانوا يتحينون طعام رسول الله فيدخلون بيته ويقعدون منتظرين نضجه تأديبا لهم (١)(وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ) للأكل (فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ) أي فرغتم منه (فَانْتَشِرُوا) عن الطعام خارجين عن البيت (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) جر عطف على (ناظِرِينَ) أو نصب عطف (٢) على ولا تدخلوها (٣) مستأنسين (لِحَدِيثٍ) نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم بعضا لأجل حديث يديرونه بينهم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كثير الحياء لا يمنعهم عن ذلك فقال الله (إِنَّ ذلِكُمْ) أي الاستئناس بعد الأكل (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يأمركم بالخروج (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أي لا يمتنع عن تعريفكم الحق والصواب حياء منكم (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ) الضمير لنساء النبي عليهالسلام ولم يذكرن لدلالة الحال عليهن (مَتاعاً) أي حاجة (فَسْئَلُوهُنَّ) المتاع (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي من خلف الحجاب (ذلِكُمْ) أي السؤال من وراء حجاب (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) من الريبة ، قيل : كان النبي عليهالسلام يطعم ومعه بعض أصحابه في بيته فأصابت يد رجل منهم يد عائشة فكره النبي عليهالسلام ذلك فنزلت آية الحجاب (٤) قوله (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) بشيء ما (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد موته وبعد تحريمهن قبل الموت (أَبَداً) نزل حين قال بعضهم وهو طلحة بن عبد الله : «أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء الحجاب؟ لئن مات محمد لأتزوجن عائشة» ، فأعلم الله تعالى أن ذلك محرم عليكم (٥) ، أي ما صح لكم إيذاء رسول الله ولا نكاح أزواجه من بعده لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، لأن المرأة لآخر أزواجها ، كذا روي عن حذيفة رضي الله عنه وسئل رسول الله عليهالسلام إذا كان للمرأة زوجان في الدنيا لأيهما تكون في الآخرة؟ قال : «إنها تخير فتختار أحسنهما خلقا معها» (٦)(إِنَّ ذلِكُمْ) أي المذكور (كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) [٥٣] أي عظيم العقوبة.
(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤))
(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) من نكاحهن على ألسنتكم (أَوْ تُخْفُوهُ) أي في صدوركم (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [٥٤] أي يعلم ذلك كله فيعاقبكم به.
(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥))
قوله (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ) نزل حين نزلت آية الحجاب ، وقال ذوو المحارم يا رسول الله نحن أيضا لا نكلمهن إلا من وراء حجاب؟ (٧) فرخص الدخول على نساء ذوات محرم بغير حجاب ، أي لا إثم عليهن في ترك الاحتجاب من المذكورين ولم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين (وَلا نِسائِهِنَّ) أي في المسلمات فيحرم دخول الكتابيات أو المراد جنس النساء فيحل دخولهن أيضا عليهن (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) أي لا إثم عليهن في أن لا يحتجبن من مماليكهن من الإماء والعبيد ، ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب ليدل على فضل تشديد وتهديد فقال (وَاتَّقِينَ اللهَ) فيما أمرتن به من الاحتجاب (٨) والستر واحفظن طريقة التقوى في الأمر والنهي (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من السر والعلن وظاهر الحجاب وباطنه (شَهِيداً) [٥٥] أي رقيبا لا يتفاوت في علم الأحوال.
__________________
(١) نقله عن الكشاف ، ٥ / ٥١.
(٢) عطف ، و : ـ وي.
(٣) ولا تدخولوها ، وي : ولا تدخلوا ، ح.
(٤) عن مجاهد ، انظر الواحدي ، ٣٠٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥٢.
(٥) عن مقاتل بن سليمان ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٨٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ٥٢.
(٦) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٩. لم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٧) نقله المفسر عن البغوي ، ٤ / ٤٨٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥٣.
(٨) من الاحتجاج ، وي : من الحجاب ، ح.