(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤))
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ثوابا (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أي بالمعصية (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) وضع موضع الضمير ، أي فلا يجزون (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٨٤] أي مثله ، وهذا من فضله العظيم أن لا يجزى السيئة ولا بمثلها ويجزى الحسنة بعشرة أمثلها أو أزيد.
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥))
قوله (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) نزل بعد خروجه صلىاللهعليهوسلم من الغار وجاء جحفة فاشتاق مكة ، لأنها مولده وموطنه وبها عشيرته وحرم إبراهيم عليهالسلام (١) ، أي إن الذي أوجب عليك تلاوة القرآن والعمل بما فيه وإبلاغه (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) عظيم أي إلى مكة بالغلبة والقهر لأنه قد أخرج منها أو لرادك إلى الجنة لأن آدم كان فيها فأخرج فرد ولده إليها ، ولما وعد صلىاللهعليهوسلم بالعود إلى مكة بعد قول المشركين له إنك لفي ضلال مبين حال كونه خارجا عنها نزل (٢)(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) يعني نفسه (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٨٥] يعني الكفار فيجازي كلا بعمله.
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦))
ثم أكد وعده بعوده إلى مكة بقوله (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي القرآن (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي لرحمة منه ، فهو قادر على أن يردك إلى مكة لرحمة منه ، ف (إِلَّا رَحْمَةً) استثناء متصل حملا على المعنى ، كأنه قيل : وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة ، أي ما ألقي إليك لوجه إلا لوجه الرحمة ، وقيل : منقطع و «إلا» بمعنى «لكن» ، أي لكن الله رحمك (٣) ، وأعطاك القرآن فاعمل به (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً) أي ناصرا (لِلْكافِرِينَ) [٨٦] بالعمل بقولهم ارجع إلى دين أبائك.
(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧))
(وَلا يَصُدُّنَّكَ) أي لا يصرفنك (عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي بعد وقت إنزاله ، و «إذ» يضاف إليه اسم الزمان كيومئذ وحينئذ (وَادْعُ) الخلق (إِلى رَبِّكَ) أي إلى توحيده (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [٨٧] أي معهم في شركهم.
(وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨))
ثم أكد النهي عن الشرك ووحد نفسه فقال (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا خالق ولا رازق غيره فلا يستحق العبادة إلا هو (كُلُّ شَيْءٍ) في الدنيا (هالِكٌ) أي يجوز عليه الهلاك والفناء فيهلك قطعا (إِلَّا وَجْهَهُ) أي إلا ذاته عز وعلا ، فانه باق لا يفني والوجه يعبر عن الذات ، وقيل معناه «إلا ما أريد به وجه الله» (٤) من العمل لا يفني لأن ثوابه باق (لَهُ الْحُكْمُ) أي حكم كل شيء (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [٨٨] في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
__________________
(١) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ٣٦٣ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٣٧.
(٢) لعل المفسر اختصره من البغوي ، ٤ / ٣٦٣.
(٣) عن الفراء ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٦٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٣٧.
(٤) عن أبي العالية ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٦٤.