شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥))
قوله (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) نزل حين اشتد خوف الصحابة واستبطؤا النصر (١) ، فخاطب الرسول عليهالسلام و (الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) للبيان تسلية لهم كأنه قال وعدهم الله وأقسم (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي أرض مكة بأن يجعلهم خلفاء يسكنون فيها بعدهم بنصر الإسلام على الشرك وتورثهم أرضهم وهم الخلفاء الراشدون (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) معلوما ، أي الله تعالى استخلف داود وسليمان بني إسرائيل في أرض الجبارين بعد إهلاكهم ، وقرئ مجهولا (٢)(وَلَيُمَكِّنَنَّ) أي وليظهرن (لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) وهو دين الإسلام بأن يظهره على جميع الأديان ، وتمكينه تثبيته (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ) الذي كانوا عليه (أَمْناً) في نفوسهم ، قوله (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) حال من ضمير الفاعل في (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) ، فأظهر الله تعالى دينهم ونصرهم وبدل لهم من بعد خوفهم أمنا ، قيل : مكث الرسول عليهالسلام وأصحابه رضي الله عنهم بمكة عشر سنين خائفين ولما هاجروا إلى المدينة يصبحون ويمسون في السلاح حتى قال رجل منهم ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تغبرون إلا زمانا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملإ العظيم محتبيا ليس فيه حديدة» (٣) ، فأنجز الله وعده وأظهرهم على جزيرة العرب كلها (٤)(وَمَنْ كَفَرَ) أي كفران النعمة (بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد الأمن والتمكين (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [٥٥] أي الكاملون في الفسق.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦))
قوله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [٥٦] عطف على قوله (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) قبل وكررت طاعة الرسول تأكيدا لوجوبها.
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧))
قوله (لا تَحْسَبَنَّ) بالتاء خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وبالياء (٥) والفاعل ضميره أو (الَّذِينَ كَفَرُوا) والمفعول الأول محذوف ، أي أنفسهم والثاني (مُعْجِزِينَ) أي لا يحسبن الكافرون أنفسهم فائتين الله (فِي الْأَرْضِ) بأن لا يقدر عليهم فيها (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) لا محالة ، والمراد منهم هم المقسمون جهد أيمانهم (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [٥٧] أي بئس المرجع النار.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) نزل حين أرسل الرسول عليهالسلام مدلج بن عمرو وكان غلاما أنصاريا وقت الظهر إلى عمر رضي الله عنه ليدعوه ، فدخل عليه وهو نائم ، وقد انكشف عنه ثوبه ، فقال عمر رضي الله عنه لوددت أن الله ينهى أباءنا وأبناءنا وخدمنا أن يدخلوا علينا هذه الساعات ،
__________________
(١) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٢١٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٣٣.
(٢) «استخلف» : قرأ شعبة بضم التاء وكسر اللام ويبتدئ بهمزة الوصل مضمومة ، والباقون بفتح التاء واللام والابتداء بهمزة مكسورة. البدور الزاهرة ، ٢٢٥.
(٣) انظر الكشاف ، ٤ / ١٣٣. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٤) نقله المصنف عن الكشاف ، ٤ / ١٣٣.
(٥) «لا تَحْسَبَنَّ» : قرأ ابن عامر وحمزة بياء الغيبة ، والباقون بتاء الخطاب وفتح السين الشامي وعاصم وحمزة وأبو جعفر وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٢٥.