(فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧))
(فَأَمَّا مَنْ تابَ) من الكفر (وَآمَنَ) بالله ورسوله (وَعَمِلَ صالِحاً) أي عملا مرضيا عند الله (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [٦٧] أي الناجين من العذاب وبدخول الجنة ، فانظر كيف جمع بين الإيمان والعمل الصالح لرجاء الفلاح.
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩))
قوله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) نزل لما قيل (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(١) ، أي وربك لا يبعث الرسل بأخبار المرسل إليهم بل يختار بالرسالة لمن يشاء ، ونفى اختيارهم بقوله (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي الاختيار ، يعني ليس لهم أن يختاروا شيئا ما ، ف (ما) نفي على هذا ، ويجوز أن يكون موصولا مفعول (يَخْتارُ) ، والعائد محذوف ، أي يختار الذي لهم فيه الخيرة وصلاحهم فالخيرة التخير (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى) عن ما (يُشْرِكُونَ) [٦٨] أي الله بريء من إشراكهم وجرأتهم على الله باختيارهم ما لا يختار.
(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ) أى تضمر (صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) [٦٩] من القول.
(وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))
(وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي المعبود بالحق هو الله لا غير (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي هو مستحقه في الدارين ، والتحميد على وجه اللذة في الآخرة وفي الدنيا على وجه الكلفة ، وحمد الآخرة قولهم : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، الحمد لله الذي صدقنا وعده ، والحمد لله رب العالمين (وَلَهُ الْحُكْمُ) أي القضاء بين عباده (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [٧٠] في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١))
قوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) نبه فيه على اختصاص الربوبية له تعالى بصنعة الليل والنهار لمصلحة الخلق ليعتبروا به فينتهوا عن عبادة غيره ويوحدوه ، فقال : قل يا محمد لكفار مكة أخبروني (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) أي متصلا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) تطلبون فيه بعض معاشكم ، وإنما لم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال بليل تسكنون فيه بعد لأن الضياء ضوء الشمس ، وله فوائد كثيرة سوى التصرف في المعاش ليست في النهار لتبصر تلك به لأنه لأجل التصرف في المعاش وحده ، والظلام أيضا ليس بتلك المنزلة ، فذكر الضياء أبلغ من ذكر النهار ولذلك قرن السمع بالضياء بقوله (أَفَلا تَسْمَعُونَ) [٧١] أي المواعظ سماع تدبر لأن السمع يدرك ما لا يدرك البصر من ذكر منافع الضياء ووصف فوائده.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢))
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) أي دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ) أي تستقرون وتستريحون (فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [٧٢] قدرة الله فتؤمنون به ، وقرن الإبصار بسكون الليل لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه فلا حاجة إلى تقرير فوائد الظلام لتذكر السماع.
__________________
(١) الزخرف (٤٣) ، ٣١. نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٥٢٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٥٤.