وأزعجوا بالخوف (زِلْزالاً شَدِيداً) [١١] أي أشد الإزعاج.
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢))
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) أي الذين (١) لم يوجد منهم الإيمان إلا باللسان (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي الذين في قلوبهم ضعف الإيمان (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [١٢] أي وعدا غرورا ، وقائله معتب حين رأى الأحزاب قال يعدنا محمد فتح فارس والروم ولا نقدر على الخروج إلى البراز خوفا ، ما هذا الوعد إلا غرورا لنا.
(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣))
(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) أي من المنافقين (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) اسم المدينة لا ينصرف للتعريف وزنة الفعل (لا مُقامَ لَكُمْ) بالضم وبالفتح (٢) ، أي لا قرار لكم ههنا ولا مكان تقيمون فيه (فَارْجِعُوا) إلى المدينة أمروهم بالهرب من عسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو ارجعوا إلى الكفر واتركوا محمدا وإلا فليست يثرب لكم بمكان القرار (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ) هم بنو سلمة وبنو حارثة (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي ذات عورة ، يعني ذات خلل يخاف منه العدو والسارق ، أي غير محرزة ولا محصنة فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه ، فقال تعالى (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) الواو للحال (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) [١٣] من القتال فأكذبهم الله بأنهم لا يخافون ، وإنما يريدون الفرار.
(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤))
(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) أي لو دخلت المدينة أو بيوتهم ، يعني لو دخل الأحزاب على المنافقين من نواحيها (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) أي ثم سألوهم الشرك والردة ومقاتلة المسلمين (لَآتَوْها) بالمد وبالقصر (٣) ، أي لجاؤها وفعلوها (وَما تَلَبَّثُوا بِها) أي ما توقفوا بالمدينة عن إجابة الكفار (إِلَّا) بشارا (يَسِيراً) [١٤] وهو مقدار السؤال والجواب فقط أو المعنى : أنهم ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا ، أي قليلا حتي يعذبوا لفرارهم عن نصرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٤).
(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥))
(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ) أي لقد كان بنو حارثة هموا أن يفشلوا مع بني سلمة ببدر ، فلما نزل فيهم ما نزل قالوا للنبي عليهالسلام اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، فقال اشترط لربي أن لا تشركوا به شيئا وتعبدوه ولنفسي أن تمنعوا مني ما منعتموه من أنفسكم وأولادكم ، فقالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال لكم النصرة في الدنيا والجنة في الآخرة ، فقالوا قد فعلنا ذلك وهو معنى قوله (عاهَدُوا اللهَ (مِنْ قَبْلُ) أي قبل حفر الخندق أو حلفوه ليقاتلن و (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) منهزمين أو هم غابوا عن وقعة بدر ، فلما رأوا ما أعظى الله البدريين من الكرامة قالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) [١٥] أي يسأل يوم القيامة من نقضه أو هو يطلب ويقتضى حتى يوفى به.
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦))
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ) أي لا تؤجلون (٥)(إِلَّا قَلِيلاً) [١٦] أي يسيرا لكون الدنيا قليلة لا محالة ، المعنى : لا يغنيكم الفرار مما لا بد لكم من نزوله بكم بقضاء الله من حتف أنف أو قتل وإن نفعكم مثلا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتع (٦) إلا زمانا قليلا.
__________________
(١) أي الذين ، و : الذين ، ح ي.
(٢) «مقام» : قرأ حفص بضم الميم الأولى ، وغيره بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٥٤.
(٣) «لآتوها» : قرأ المدنيان والمكي بقصر الهمزة ، والباقون بمدها. البدور الزاهرة ، ٢٥٤.
(٤) صلىاللهعليهوسلم ، وي : ـ ح.
(٥) أي لا تؤجلون ، ح ي : أي تؤجلوا ، و.
(٦) التمتع ، وي : التأخير ، ح.