أقرب (مِنْ هذا) أي من بناء أهل الكهف وغيره (رَشَداً) [٢٤] أي خيرا ومنفعة ، فاللام في (لِأَقْرَبَ) بمعنى «إلى».
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦))
قوله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) الآية بيان لما أجمله في قوله «فضربنا عليهم في الكهف سنين عددا» ، أي ولبثوا أحياء نياما في كهفهم (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) قيل : (سِنِينَ) بدل من (ثَلاثَ) أو من (مِائَةٍ) بمعنى مئين أو عطف بيان لا تمييز وإلا لكان أقل مدة لبثهم عند الخليل ستمائة سنة ، لأن أقل الجمع عنده اثنان وعند غيره تسعمائة (١) ، لأن أقله ثلاثة عندهم هذا على قراءة «مائة» بالتنوين (٢) ، وأما على قراءة الإضافة فأقيم الجمع مقام المفرد ، لأن حق المائة أن يضاف إلى المفرد ، ووجه ذلك : أن المفرد في ثلثمائة درهم في المعنى جمع ، فحسن إضافته إلى لفظ الجمع كما في «الأخسرين (أَعْمالاً)(٣) ، فانه ميز بالجمع وحقه المفرد نظرا إلى مميزه ، قوله (وَازْدَادُوا تِسْعاً) [٢٥] أي تسع سنين إشارة إلى أن ذلك الحساب على اعتقاد أهل الكتاب شمسي ، وأما عند العرب فهو قمري ، القمري يزيد على الشمسي تسعا ، ولذلك قال (وَازْدَادُوا تِسْعاً) وهو مفعول (ازْدَادُوا). روي : أن نصارى نجران قالوا أما الثلاث مائة فقد عرفنا وأما التسع فلا علم لنا بها فنزل (٤)(قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) أي قل هو أعلم بمدة لبثهم ، لأن علم الخفيات مختص به تعالى ، ولذلك قال (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بتقديم (لَهُ) ، أي لله العلم بما خفي (٥) فيهما عليه غيره تعالى من أحوال أهلهما وغيرها (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) الضمير في (بِهِ) لله ، محله رفع لكونه فاعلا لفعل التعجب ، والباء زائدة والهمزة في الفعلين للصيرورة ، أصله : أبصر الله وأسمع ، غير من لفظ الخبر إلى لفظ الأمر وليس بأمر ، إذ لا معنى للأمر هنا ومعناه : ما أبصر الله وما أسمعه ، وإنما جاء به ليدل على التعجب من إدراكه تعالى بكل مسموع وكل مبصر ، لأنه خارج عن حد ما عليه إدراك كل سامع وكل مبصر ، إذ هو يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر ، فلا يغيب عنه شيء ما (ما لَهُمْ) أي ليس لأهل السموات والأرض (مِنْ دُونِهِ) أي من غير الله (مِنْ وَلِيٍّ) أي من متول لأمورهم (وَلا يُشْرِكُ) بالياء ، أي الله (فِي حُكْمِهِ) أي في قضائه وعلمه (أَحَداً) [٢٦] منهم ، لأنه غني عنه ، وقرئ بالتاء خطابا مع جزم الكاف نهيا (٦) للإنسان.
(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧))
قوله (وَاتْلُ ما أُوحِيَ) نزل حين قالوا له عليهالسلام : ائت من السماء بقرآن غير هذا أو بدله (٧) ، أي اقرأ الذي أوحي (إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) أي من القرآن واعمل به ولا تطعهم في طلب التبديل ولا تسمع قولهم فيه (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي لا يقدر أحد على تبديلها سواه تعالى (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ) أي من دون عذابه (مُلْتَحَداً) [٢٧] أي ملتجأ تلجأ إليه إن هممت بذلك التبديل فرضا.
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨))
قوله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) نزل حين طلب رؤساء الكفار طرد فقراء المسلمين من مجلسه كصهيب وعمار وخباب وغيرهم وقالوا : اطردهم حتى نجالسك ، فان أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من إتباعك إلا هؤلاء ،
__________________
(١) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٢) «ثلاثمائة سنين» : قرأ الأخوان وخلف بحذف تنوين «مائة» ، والباقون باثباته. البدور الزاهرة ، ١٩١.
(٣) الكهف (١٨) ، ١٠٣.
(٤) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٦١ ـ ٥٦٢.
(٥) خفي ، ح و : أخفى ، ي.
(٦) «ولا يشرك» : قرأ الشامي بتاء الخطاب وجزم الكاف على أن لا ناهية ، والباقون بياء الغيبة ورفع الكاف علي أنها نافية. البدور الزاهرة ، ١٩١.
(٧) نقله المفسر عن الكشاف ، ٣ / ٢٠٥.