(قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧))
(قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [٦٧] أي قال الخضر لموسى لا تصبر صحبتي لأنك ترى ما تنكره وإنما قال ذلك على وجه التأكيد ، لأن ظاهره مناكير ، والرجل الصالح لا سيما إذا كان نبيا لا يصبر إذا رأى ذلك ويأخذ في الإنكار.
(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨))
ثم عذره في عدم صبره فقال (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) [٦٨] تمييز ، أي لم يحط به خبرك ، أي علمك أو مصدر من غير لفظ الفعل ، لأن (لَمْ تُحِطْ بِهِ) بمعنى لم تخبر حقيقته.
(قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩))
(قالَ) موسى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) رجا موسى استطاعة صبره معه بعد إظهاره عدمها له لحرصه على العلم وازدياده ، فوعده الصبر معلقا بمشية الله ، قوله (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) [٦٩] في محل النصب عطف على (صابِراً) ، وغير عاص لك زاده في الجواب حرصا على طلب العلم (١) ، وإنما استثنى ، لأنه لم يكن على ثقة فيما التزم وهذا عادة الصالحين.
(قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠))
(قالَ) الخضر لموسى (٢)(فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي) لأخذ العلم (فَلا تَسْئَلْنِي) بتشديد النون مع الياء وبدونها ، والتخفيف مع الياء وبغير الياء (٣)(عَنْ شَيْءٍ) رأيته مني وأنكرته في نفسك (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) [٧٠] أي حتى أظهر لك منه توضيحا لحقيقته ووجه صحته ويزول عنك إنكارك به ، وهذا من آداب المتعلم والعالم ، فقيل : شرطه للتعلم (٤).
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١))
(فَانْطَلَقا) أي ذهب موسى والخضر يمشيان في ساحل (٥) بحر ورد تلميذه إلى بني إسرائيل (حَتَّى إِذا رَكِبا) أي دخلا (فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) جزاء الشرط ، أي ثقبها (٦) ، قيل : «ذهبا إلى ساحل البحر يطلبان السفينة ، فمرت بهما سفينة فاستحملا صاحبها ، وقال أهل السفينة له : إنا لا نعرفهما فلا يدخلان علينا فقال : سيماهما سيما الزهاد فحملهما بغير نول» (٧) ، وقيل : «إنه عرف الخضر فأذن لهما ليدخلا فيها ، فلما بلغوا اللج أخذ الخضر الفأس فخرقها ، فاقتلع لوحا من قبل البحر فسد موسى الخرق بثيابه» (٨)(قالَ) له موسى (أَخَرَقْتَها) أي السفينة (لِتُغْرِقَ أَهْلَها) يا خضر وهم أحسنوا بنا ، قرئ بالتاء معلوما من أغرق ، وبفتح الياء والزاء وضم (٩) أهلها فاعلا (١٠) ، من غرق (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) [٧١] أي أتيت شيئا عظيما ، من أمر يأمر إذا عظم.
(قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣))
(قالَ) الخضر لموسى (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [٧٢] قالَ) موسى (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) أي
__________________
(١) على طلب العلم ، ح ي : ـ و.
(٢) لموسى ، ح : ـ وي.
(٣) «فلا تسألني» : قرأ المدنيان والشامي بفتح اللام وتشديد النون ، والباقون باسكان اللام وتخفيف النون ، وأجمعوا على إثبات الياء في الحالين إلا ابن ذكوان فله الإثبات والحذف وصلا ووقفا. البدور الزاهرة ، ١٩٤.
(٤) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٥) يمشيان في ساحل ، و : ـ ح ي.
(٦) ثقبها ، وي : نقبها ، ح.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣٠٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٢١٥.
(٨) نقله المفسر عن الكشاف ، ٣ / ٢١٥.
(٩) وضم ، ح و : ورفع ، ي.
(١٠) «لتغرق أهلها» : قرأ الأخوان وخلف بياء تحتية مفتوحة وفتح الراء ورفع لام «أهلها» ، والباقون بتاء مثناة مضمومة مع كسر الراء ونصب لام «أهلها». البدور الزاهرة ، ١٩٤.