رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧))
الموعظة للكافة .. ولكنها لا تنجع في أقوام ، وتنفع فى آخرين ؛ فمن أصغى إليها بسمع سرّه اتضح نور التحقيق فى قلبه ، ومن استمع إليها بنعت غيبته ما اتصف إلا بدوام حجبته.
ويقال الموعظة لأرباب الغيبة ليئوبوا ، والشّفاء لأصحاب الحضور ليطيبوا.
ويقال «الموعظة» : للعوام ، «والشفاء» : للخواص ، «والهدى» لخاص الخاص ، «والرحمة» لجميعهم ، وبرحمته وصلوا إلى ذلك.
ويقال شفاء كلّ أحد على حسب دائه ، فشفاء المذنبين بوجود الرحمة ، وشفاء المطيعين بوجود النعمة (١) ، وشفاء العارفين بوجود القربة ، وشفاء الواجدين بشهود الحقيقة.
ويقال شفاء العاصين بوجود النجاة ، وشفاء المطيعين بوجود الدرجات ، وشفاء العارفين بالقرب والمناجاة.
قوله جل ذكره : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨))
«الفضل» : الإحسان الذي ليس بواجب على فاعله ، «والرحمة» إرادة النعمة وقيل هى النعمة.
والإحسان على أقسام وكذلك النعمة ، ونعم الله أكثر من أن تحصى.
ويقال الفضل ما أتاح لهم من الخيرات ، والرحمة ما أزاح عنهم من الآفات.
ويقال فضل الله ما أكرمهم من إجراء الطاعات ، ورحمته ما عصمهم به من ارتكاب الزّلات. ويقال فضل الله دوام التوفيق ورحمته تمام التحقيق.
__________________
(١) نعلم من مذهب القشيري أن (الرحمة) من أوصاف الذات ، و (النعمة) من أوصاف الفعل .. فتامل كيف يرتبط مصير (المذنبين) بوصف من أوصاف ذاته ، ولاحظ كيف يفتح الصوفية بذلك أبواب الأمل أمام التائبين.