ثم قال : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) فى إمهال من أجرم ، والعصمة لمن لم يجرم.
قوله جل ذكره : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١))
خوّفهم بما عرفهم من اطلاعه عليهم فى جميع أحوالهم ، ورؤية ما سيفعلونه من فنون أعمالهم. والعلم بأنه يراهم يوجب استحياءهم منه ، وهذه حال المراقبة ، والعبد إذا علم أن مولاه يراه استحيى منه ، وترك متابعة هواه ، ولا يحوّم حول ما نهاه ، وفى معناه أنشدوا :
كأنّ رقيبا منك حال بمهجتي |
|
إذا رمت تسهيلا علىّ تصعّبا |
وأنشدوا :
أعاتب عنك النّفس فى كلّ خصلة |
|
تعاتبنى فيها وأنت مقيم |
(وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) : وكيف يخفى ذلك عليه ، أو يتقاصر علمه عنه ، وهو منشئه وموجده؟ وبعض أحكامه الجائزة مخصصة ، وإنما قال : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) : ردّهم إلى كتابته ذلك عليهم ـ لعدم اكتفائهم فى الامتناع عمّا نهوا عنه ـ برؤيته وعلمه.
قوله جل ذكره : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
الولىّ على وزن فعيل مبالغة من الفاعل ، وهو من توالت طاعاته ، من غير أن يتخللها عصيان.
ويجوز أن يكون فعيل بمعنى مفعول كجريح وقتيل بمعنى مجروح ومقتول ؛ فيكون الولىّ من يتوالى عليه إحسان الله وأفضاله ، ويكون بمعنى كونه محفوظا فى عامة أحواله من المحن.