وأشدّ المحن ارتكاب المعاصي فيعصمه الحقّ ـ سبحانه ـ على دوام أوقاته من الزّلّات.
وكما أن النبيّ لا يكون إلا معصوما فالولىّ لا يكون إلا محفوظا.
والفرق بين المحفوظ والمعصوم أن المعصوم لا يلمّ بذنب البتّة ، والمحفوظ قد تحصل منه هنات ، وقد يكون له ـ فى الندرة ـ زلّات ، ولكن لا يكون له إصرار : «أولئك الذين (يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) (١).
قوله جل ذكره : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
حسن ما قيل إنه (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) : فى الدنيا ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : فى العاقبة. ولكن الأولى أن يقال إنّ الخواص منهم لا خوف عليهم فى الحال ـ لأنّ حقيقة الخوف توقّع محذور فى المستقبل ، أو ترقّب محبوب يزول فى المستأنف .. وهم بحكم الوقت ؛ ليس لهم تطلّع إلى المستقبل. والحزن هو أن تنالهم حزونة فى الحال ، وهم فى روح الرضا بكلّ ما يجرى فلا تكون لهم حزونة الوقت. فالولىّ لا خوف عليه فى الوقت ، ولا له حزن بحال ، فهو بحكم الوقت.
ولا يكون وليّا إلا إذا كان موفّقا لجميع ما يلزمه من الطاعات ، معصوما بكل وجه عن جميع الزلات. وكلّ خصلة حميدة يمكن أن يعتبر بها فيقال هى صفة الأولياء. ويقال الولىّ من فيه هذه الخصلة.
ويقال الولىّ من لا يقصّر فى حقّ الحق ، ولا يؤخرّ القيام بحق الخلق ؛ يطيع لا لخوف عقاب ، ولا على ملاحظة حسن مآب ، أو تطلع لعاجل اقتراب ، ويقضى لكلّ أحد حقا يراه واجبا ، ولا يقتضى من أحد حقّا له ، ولا ينتقم ، ولا ينتصف (٢) ولا يشمت ولا يحقد ، ولا يقلد أحدا منة ، ولا يرى لنفسه ولا لما يعمله قدرا ولا قيمة.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣))
هذه صفة الأولياء ؛ آمنوا فى الحال ، واتقوا الشرك فى المآل. ويقال (آمَنُوا) أي قاموا
__________________
(١) آية ١٧ سورة النساء.
(٢) أي إذا أساء إليه أحد لم يطلب من مخلوق إنصافا ، وإنما عفا وتساهل ، تاركا الأمر لله.