عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨))
لما يئس من إجابتهم حين دعاهم إلى الله دعا عليهم بإنزال السّخطة وإذاقة الفرقة. ومن المعلوم أنّ الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ من حقهم العصمة ، فإذا دعا موسى عليهم بمثل هذه الجملة لم يكن ذلك إلا بإذن من قبل الله تعالى فى الحقيقة.
قوله جل ذكره : (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩))
الاستقامة فى الدعاء ترك الاستعجال فى حصول المقصود ، ولا يسقط الاستعجال من القلب إلا بوجدان السكينة فيه ، ولا تكون تلك السكينة إلا بحسن الرضاء بجميع ما يبدو من الغيب ويقال ينبغى للعبد أن يسقلّ بالله (١) ما أمكنه ، فعند هذا يقلّ دعاؤه. ثم إذا دعاه بإشارة من الغيب ـ فى جوازه ـ فالواجب ألا يستعجل ، وأن يكون ساكن الجأش.
ويقال من شرط الدعاء صدق الافتقار فى الابتداء ، ثم حسن الانتظار فى الانتهاء ، وكمال هذا الرضاء بجريان الأقدار بما يبدو من المسار والمضار.
ويقال الاستقامة فى الدعاء سقوط التقاضي (٢) على الغيب ، والخمود عن الاستعجال بحسن الثقة ، وجميل الظّن.
ويقال فى الآية تنبيه على أنّ للأمور آجالا معلومة ، فإذا جاء الوقت فلا تأخير للمقسوم فى الوقت المعلوم.
قوله جل ذكره : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ
__________________
(١) الاستقلال بالله الاكتفاء به وعدم النظر إلى النفس أو الأغيار.
(٢) التقاضي على الغيب معناه النظر إلى ما يأتى من الغيب بعين التقليل أو التكثير ، البطء أو السرعة ..
ففى ذلك إقحام لحظوظ النفس فى حقوق الحق.