لما تحقّق بما أمر الله به لم يأبه عند إمضاء ما كلّف به بما سمع من القيل ، ونظر إلى الموعود بطرف التصديق فكان كالمشاهد له قبل الوجود.
قوله جل ذكره : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))
لا طاعة لمخلوق فى مقاساة تقديره ـ سبحانه ـ إلا من تحمل عنه بفضله ما يحمله بحكمه.
قوله جل ذكره : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ)
طال انتظارهم لما كان يتوعّدهم به نوح عليهالسلام على وجه الاستبعاد ، ولم يزدهم تطاول الأيام إلا كفرا ، وصمّموا على عقد تكذيبهم.
ثم لمّا أتاهم الموعود إياهم بغتة ، وظهر من الوضع الذي لم يحبّوه فار الماء من التنور المسجور ، وجادت السماء بالمطر المعبور (١).
(قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) : استبقاء للتناسل.
ويقال : قد يؤتى الحذر من مأمنه ؛ فإن إبليس جاء إلى نوح ـ عليهالسلام ـ.
وقال : احملني فى السفينة فأبى نوح عليهالسلام ، فقال له إبليس : أما علمت أنى من المنظرين إلى يوم معلوم ، ولا مكان لى اليوم إلا فى سفينتك؟
فأوحى الله إلى نوح أن يحمله معه.
ويقال لم يكن لابن نوح معه مكان ، وأمر بحمل إبليس وهو أصعب الأعداء! وفى هذا إشارة إلى أن أسرار التقدير لا تجرى على قياس الخلق ؛ كأنه قيل له : يا نوح .. ابنك لا تحمله ، وعدوك فأدخله ، فالله سبحانه فعّال لما يريد (٢).
__________________
(١) أي الجاري.
(٢) فى هذه الإشارة تلميح إلى قاعدة فى مذهب القشيري أن أفعال الله لا تخضع لما ألف الناس من مقاييس نسبية.