ويقال بشارة بالخلّة وتمام الوصلة.
ويقال إن الخلّة والمحبة بناؤهما كتمان السّرّ ؛ فيعلم أنهم أرسلوا ببشارة ما ولم يكن للغير اطلاع ، قال قائلهم :
بين المحبين قول لست أفهمه
ويقال إن تلك البشارة هى قولهم : (سَلاماً) وأن ذلك كان من الله ، وأىّ بشارة أتمّ من سلام الحبيب؟ وأىّ صباح يكون مفتتحا بسلام الحبيب فصباح مبارك ، وكذلك المبيت بسلام الحبيب فهو مبارك.
قوله : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) : لمّا توهمهم أضيافا قام بحقّ الضيافة ، فقدّم خير ما عنده ما شكره الحقّ عليه حيث قال فى موضع آخر : جاء بعجل سمين (١). والمحبة توجب استكثار القليل من الحبيب واستقلال ما منك للحبيب ، وفى هذا إشارة إلى أنه إذا نزل الضيف فالواجب المبادرة إلى تقديم السّفرة (٢) ممّا حضر فى الوقت.
قوله : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ) تمام إحسان الضيف أن تتناول يده ما يقدّم إليه من الطعام ، والامتناع عن أكل ما يقدّم إليه معدود فى جملة الجفاء فى مذهب أهل الظّرف (٣). والأكل فى الدعوة واجب على أحد الوجهين.
(وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) : أي خاف أنه وقع له خلل فى حاله حيث امتنع الضّيفان عن أكل طعامه ؛ فأوجس الخيفة لهم لا منهم.
وقيل إن الملائكة فى ذلك الوقت ما كانوا ينزلون جهرا إلا لعقوبة ؛ فلمّا امتنعوا عن الأكل ، وعلم أنهم ملائكة خلف أن يكونوا قد أرسلوا لعقوبة قومه.
قوله جل ذكره : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ
__________________
(١) آية ٢٦ سورة الذاريات.
(٢) السفرة ـ طعام يصنع للمسافر ، أو المائدة وما عليها من طعام (الوسيط).
(٣) الظرف : (يقال ظرف فلان ظرفا كان كيسا حاذقا ، والظرف فى اللسان البلاغة ، وفى الوجه الحسن ، وفى القلب الذكاء) الوسيط.