تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١))
كما أن الإرادات والهمم تختلف فى الدنيا فكذلك فى الآخرة ، وفى الخبر : «من كان بحالة لقى الله بها» فمن مريد يكتفى من الجنة بورودها ، ومن مريد لا يكتفى من الجنة دون شهود ربّ الجنة.
ويقال إذا شاءوا أن يعودوا إلى ما فاتهم من قصورهم ، وما وجدوا فى ذلك من صحبة اللّعين (١) فى سائر أحوالهم وأمورهم يسلم لهم ذلك ، ومن شاء أن تدوم رؤيته ، ويتأبّد سماع خطابه فلهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ، وهو ما لم يخطر ببال أحد.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢))
يقبض أرواحهم طيبة. أو يقال (طَيِّبِينَ) حال.
والأسباب التي تطيب بها قلوبهم وأرواحهم مختلفة ، فمنهم من طاب وقته لأنه قد غفرت ذنوبه ، وسترت عيوبه ، ومنهم من طاب قلبه لأنه سلّم عليه محبوبه ، ومنهم من طاب قلبه لأنه لم يفته مطلوبه.
ومنهم من طاب وقته لأنه يعود إلى ثوابه ، ويصل إلى حسن مآبه.
ومنهم من يطيب قلبه لأنه أمن من زوال حاله ، وحظى بسلامة مآله (٢) ، ومنهم من يطيب قلبه لأنه وصل إلى أفضاله ، وآخر لأنه وصل إلى لطف جماله ، وثالث لأنه خصّ بكشف جلاله ـ قد علم كلّ أناس مشربهم.
ويقال (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) طيبة نفوسهم أي طاهرة من التدنّس بالمخالفات ، وطاهرة قلوبهم عن العلاقات ، وأسرارهم عن الالتفات إلى شىء من المخلوقات.
__________________
(١) اللعين مقصود به إبليس.
(٢) وردت (ماله) والملائم هنا أن تكون (مآله).