خلقهم من غير أن شاورهم ، وأثبتهم ـ على الوصف الذي أراده ـ دون أن خيّرهم ، ولم يعلموا بماذا سبق حكمهم .. أبا لسعادة خلقهم أم على الشقاوة من العدم أخرجهم من من بطون أمهاتهم؟ فلا صلاح أنفسهم علموا ، ولا صفة ربّهم عرفوا ثمّ بحكم الإلهام هداهم حتى قبل الصبيّ ثدى أمه وإن لم يكن قد تقدمه تعريف أو تخويف أو تكليف أو تعنيف.
(وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) : لتسمعوا خطابه ، (وَالْأَبْصارَ) لتبصروا أفعاله ، (وَالْأَفْئِدَةَ) لتعرفوا حقّه ، ثم لتشكروا عظيم إنعامه عليكم بهذه الحواس.
قوله جل ذكره : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩))
الطائر إذا حلق فى الهواء يبقى كالواقف ولا يسقط ، وقد قامت الدلالة على أن الحقّ ـ سبحانه ـ متفرّد بالإيجاد ، ولا يخرج حادث عن قدرته ، وفى ذلك دلالة على كمال قدرته سبحانه.
قوله جل ذكره : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠))
للنفوس وطن ، وللقلوب وطن. والناس على قسمين مستوطن ومسافر : فكما أن الناس بنفوسهم مختلفون فكذلك بقلوبهم ؛ فالمريد أو الطالب مسافر بقلبه لأنه يتلوّن ، ويرتقى من درجة إلى درجة ، والعارف مقيم ومستوطن لأنه واصل متمكن والطريق منازل ومراحل ، ولا تقطع تلك المنازل بالنفوس وإنما تقطع بالقلوب ، والمريد سالك والعارف واصل.
قوله جل ذكره : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً