ثم قال بعد هذا : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) فأدخل فيه جميع أنواع القرب.
قوله جل ذكره : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ)
((حَقَّ جِهادِهِ) : حق الجهاد ما وافق الأمر فى القدر والوقت والنوع ، فإذا حصلت فى شىء منه مخالفة فليس حقّ جهاده) (١).
ويقال المجاهدة على أقسام : مجاهدة بالنّفس ، ومجاهدة بالقلب ، ومجاهدة بالمال. فالمجاهدة بالنفس ألا يدّخر العبد ميسورا إلا بذله فى الطاعة بتحمل المشاق ، ولا يطلب الرخص والإرفاق (٢). والمجاهدة بالقلب صونه عن الخواطر الرديئة مثل الغفلة ، والعزم على المخالفات ، وتذكر ما سلف أيام الفترة والبطالات. والمجاهدة بالمال بالبذل والسخاء ثم بالجود والإيثار.
ويقال حق الجهاد الأخذ بالأشق ، وتقديم الأشق على الأسهل ـ وإن كان فى الأخفّ أيضا حق.
ويقال حق الجهاد ألا يفتر العبد عن مجاهدة النّفس لحظة ، قال قائلهم.
يا ربّ إنّ جهادى غير منقطع |
|
فكلّ أرض لى ثغر طرسوس |
قوله جل ذكره : (هُوَ اجْتَباكُمْ)
يحتمل أنه يقول من حقّ اجتبائه إياكم أنّ تعظّموا أمر مولاكم
ويحتمل أن يقال هو الذي اجتباكم ، ولو لا أنه اجتباكم لما جاهدتم ، فلاجتبائه إياك وفّقك حتى جاهدت.
ويقال علم ما كنت تفعله قبل أن خلقك ولم يمنعه ذلك من أن يجتبيك ، وكذلك إن رأى ما فعلت فلا يمنعه ذلك أن يتجاوز عنك ولا يعاقبك
__________________
(١) ما بين قوسين موجود فى م وناقص فى ص.
(٢) إذا كانت (الإرفاق) فمعناه التسهيل ، والقشيري لا يرضى به غالبا لأرباب الطريق لأنهم باحثون عن الأشق ، وإذا كانت (الأرفاق) فهى جمع رفق وقد نهى القشيري فى نهاية رسالته عن وفق النسوان والصبيان فهم الأنتان والجيف ... إلخ. والسياق هنا بعيد عن ذلك مما يرجح أنها الإرفاق بكسر الهمزة.