هذا فى شأن أصحاب الاستدراج من مكر الحقّ بهم بتلبيس المنهاج ؛ رأو سرابا فظنوه شرابا ، ودس لهم فى شهدهم صابا فتوهموه عذابا (١) ، وحين لقوا عذابا علموا أنهم لم يفعلوا صوابا.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧))
أمارة الإشفاق من الخشية إطراق السريرة فى حال الوقوف بين يدى الله بشواهد الأدب ، ومحاذرة بغتات الطّرد ، لا يستقر بهم قرار لما داخلهم من الرّعب ، واستولى عليهم من سلطان الهيبة.
قوله جل ذكره : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨))
تلك الآيات مختلفة ؛ فمنها ما يكاشفون به فى الأقطار من اختلاف الأدوار ، وما فيه الناس من فنون الهمم وصنوف المنى والإرادات ، فإذا آمن العبد بها ، واعتبر بها اقتنع بما يرى نفسه مطالبا به.
قوله جل ذكره : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩))
يذرون جلّى الشّرك وخفيّه ؛ والشّرك الخفىّ ملاحظة الخلق فى أوان الطاعات ، والاستبشار بمدح الخلق وقبولهم ، والانكسار والذبول عند انقطاع رؤية الخلق.
ويقال الشّرك الخفىّ إحالة النادر من الحالات ـ فى المسارّ والمضارّ ـ على الأسباب كقول القائل. «لو لا دعاء أبيك لهلكت» و «لو لا همّة فلان لما أفلحت» ... وأمثال هذا ؛ قال الله تعالى (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٢).
وكذلك توّهم حصول الشّفاء من شرب الدواء.
فاذا أيقن العبد بسرّه ألا شىء من الحدثان ، ولم يتوهم ذلك ، وأيقن ألّا شىء إلّا من التقدير فعند ذلك يبقى عن الشّرك (٣).
__________________
(١) العذاب جمع عذب وهو السائغ من الطعام والشراب ونحوهما (الوسيط).
(٢) آيه ١٠٦ سورة يوسف.
(٣) أي أن القشيري لا ينكر الأسباب ولكن يعنى على من يتوهم أن من الحدثان شيئا.