قوله جل ذكره : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦))
رسولا منّا ، مأمورا بالإنذار والتبشير ، واقفا حيث وقفناك على نعت التبليغ ، غير طالب منهم أجرا ، وغير طامع فى أن تجد منهم حظّا.
قوله جل ذكره : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧))
(إِلَّا) أداة استثناء منقطع ؛ إذ ابتغاؤهم السبيل إلى ربّهم ليس بأجر يأخذه منهم ، فهو لمن أقبل بشير ، ولمن أعرض نذير.
قوله جل ذكره : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)
التوكل تفويض الأمور إلى الله. وحقّه وأصله علم العبد بأنّ الحادثات كلّها حاصلة من الله تعالى ، وأنه لا يقدر أحد على الإيجاد غيره.
فإذا عرف هذا فهو فيما يحتاج إليه ـ إذا علم أن مراده لا يرتفع إلا من قبل الله ـ حصل له أصل التوكل. وهذا القدر فرض ، وهو من شرائط الايمان ، فإن الله تعالى يقول : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) وما زاد على هذا القدر ـ وهو سكون القلب وزوال الانزعاج والاضطرار ـ فهى أحوال تلحق بالتوكل على وجه كماله.
فإن تقرّر هذا فالناس فى الاكتفاء والسكون على أقسام ، ولكلّ درجة من هذه الأقسام اسم : إمّا من حيث الاشتقاق ، أو من حيث الاصطلاح.
فأول رتبة فيه أن يكتفى بما فى يده ، ولا يطلب زيادة عليه ، ويستريح قلبه من طلب الزيادة .. وتسمى هذه الحالة القناعة ، وفيها يقف صاحيها حيث وقف ، ويقنع بالحاصل له
__________________
(١) آية ٢٣ سورة المائدة.
والمطلوب منا أن نلاحظ دائما ظاهرة هامة نبهنا إليها في مدخل هذا الكتاب ، وهى أن القشيري يحاول أولا استمداد المصطلح الصوفي من كتاب الله ، (فالتوكل) الذي هو ركن هام من أركان الطريق الصوفي له أصل فى القرآن. ثم تأتى من بعد ذلك مرحلة البحث فى تطور هذا الأصل ونموه في بينة المتصوفة.