ويقال الحق يجود على الأولياء ـ إذا توكلوا ـ بتيسير السبب من حيث يحتسب ولا يحتسب ، ويجود على الأصفياء بسقوط الأرب ... وإذا لم يكن الأرب فمتى يكون الطلب؟
ويقال التوكل فى الأسباب الدنيوية إلى حدّ ، فأمّا التوكل على الله فى إصلاحه ـ سبحانه ـ أمور آخرة العبد فهذا أشدّ غموضا ، وأكثر خفاء. فالواجب فى الأسباب الدنيوية أن يكون الشكون عن طلبها غالبا ، والحركة تكون ضرورة أفأمّا فى أمور الآخرة وما يتعلّق بالطاعة فالواجب البدار والجدّ والانكماش ، والخروج عن أوطان الكسل والجنوح إلى الفشل.
والذي يتّصف بالتواني فى العبادات ، ويتباطؤ فى تلافى ما ضيّعه من إرضاء الخصوم والقيام بحقّ الواجبات ، ثم يعتقد فى نفسه أنه متوكّل على الله وأنه ـ سبحانه ـ يعفو عنه فهو متّهم معلول الحال ، ممكور مستدرج ، بل يجب أن يبذل جهده ، ويستفرغ وسعه.
ثم بعد ذلك لا يعتمد على طاعته ، ولا يستند إلى سكونه وحركته ، ويتبرّأ بسرّه من حوله وقوّته. ثم يكون حسن الظنّ بربّه ، ومع حسن ظنه بربه لا ينبغى أن يخلو من مخافته ، اللهم إلا أن يغلب على قلبهما يشغله فى الحال من كشوفات الحقائق عن الفكرة فى العواقب ؛ فإن ذلك ـ إذا حصل ـ فالوقت غالب ، وهو أحد ما قيل فى معانى قولهم : الوقت سيف (١)
قوله جل ذكره : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ)
انتظم به الكون ـ والعرش من جملة الكون ـ ولم يتجمّل الحقّ ـ سبحانه ـ بشىء
__________________
(١) فى هذا المعنى يقول القشيري «أي كما أن السيف قاطع فالوقت بما يمضيه الحق ويجريه غالب ، وكما أن السيف لين مسه قاطع حده فمن لاينه سلم ، ومن خاشنه اصطلم كذلك الوقت من استسلم لحكمه نجا ، ومن عارضه انتكس وتردى ، ومن ساعده الوقت فالوقت له وقت ، ومن ناكده الوقت فالوقت عليه مقت. وسمعت الأستاذ أبا على الدقاق يقول : الوقت مبرد يسحقك ولا يمحقك» الرسالة ص ٣٤.