من إظهار بريّته ؛ فعلوّه على العرش بقهره وقدرته ، واستواؤه بفعل خص به العرش بتسوية أجزائه وصورته (١).
قوله جل ذكره : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠))
أقبل الحقّ ـ سبحانه ـ بلطفه وبفضله على أقوام فلذلك وجدوه ، وأعرض عن آخرين بتكبره وتعزّزه فلذلك جحدوه ؛ فطرهم على سمة البعد ، وعجن طينتهم بماء الشقاوة والصدّ ، فلما أظهرهم ألبسهم صدار الجهل والجحد.
قوله جل ذكره : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١))
زيّن السماء الدنيا بمصابيح ، وخلق فيها البروج ، وبثّ فيها الكواكب ، وصان عن الفطور والتشويش أقطارها ومناكبها ، وأدار بقدرته أفلاكها ، وأدام على ما أراد إمساكها.
وكما أثبت فى السماء بروجا (أثبت فى سماء قلوب أوليائه وأصفيائه بروجا) (٢) ؛ فبروج السماء معدودة وبروج القلب مشهودة.
وبروج السماء (بيوت) (٣) شمسها وقمرها ونجومها ، وبروج القلوب مطالع أنوارها ومشارق شموسها ونجومها. وتلك النجوم التي هى نجوم القلوب كالعقل ، والفهم والبصيرة والعلم ، وقمر القلوب المعرفة.
__________________
(١) كانت هذه الآية وأمثالها فرصة لآراء كلامية خطيرة سواء من ناحية استواء الله ـ سبحانه ـ على العرش ومسألة تنزههه عن المكانية ، أو من ناحية خلق الله ما بين السماوات والأرض وهل المقصود بذلك خلق أفعال الإنسان. وقد ناقش الباقلاني فى كتابه (التمهيد فى أصول الدين) كلا الأمرين ، والواقع أن القشيري ـ تلميذ الباقلاني ـ متأثر بآراء أستاذه إلى حد كبير ، وإن كان الباقلاني أقل تأويلا للصفات الخبرية منه.
(٢) غير موجودة فى ص وموجودة فى م.
(٣) فى ص (ثبوت) وفى م (بيوت) وقد رجحنا هذه لأن البرج (بيت يبنى على سور المدينة وفي أعلاها) كما جاء فى المعاجم.