قوله جل ذكره : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))
يعنى إذا أصابهم ضرّ ومحنة فرحمناهم وكشفنا عنهم ، أحالوا الأمر على غيرنا ، وتوهموه مما هو سوانا مثل قولهم : مطرنا بنوء كذا ، ومثل قولهم إن هذه سعادة نجم أو مساعدة دولة أو تأثير فلك أو خيرات دهر.
فهذا كان مكرهم أما مكر الله ـ سبحانه ـ بهم فهو جزاؤهم على مكرهم. والإشارة فى هذا أنه ربما يكون للمريد أو للطالب حجبة أو فترة .. فإذا جاء الحقّ بكشف أو تجلّ أو إقبال فمن حقّهم ألا يلاحظوها فضلا عن أن يساكنوها (١) ، لأنهم إذا لم يرتقوا عن ملاحظة أحوالهم إلى الغيبة بشهود الحقّ مكر الله بهم بأن شتّتهم فى تلك الأحوال من غير ترقّ عنها أو وجود زيادة عليها ، وهذا مكره بخواصّهم.
قوله جل ذكره : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢))
يريد أنهم يصبحون فى النّعم يجرّون أذيالهم ، ثم يمسون يبكون لياليهم. وقد يبيتون والبهجة ملكتهم ثم يصبحون وخفايا التقدير أهلكتهم ، وأنشدوا :
__________________
(١) نفهم من هذا أن (الملاحظة) أخف من (المساكنة) وكلتاهما من آفات الطريق ، يلح القشيري دائما على التحذير منهما ، وقد بالغ أهل الملامة فى توضيح أضرارهما ـ كما تشهد بذلك النصوص التي رواها عنهم فى (رسالته).