إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله (١) تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٢) (٢).
قيل : الثقفي وعبديا ليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.
قوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) ، أهلككم ، أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون (٣) ، (أَرْداكُمْ) ، قال ابن عباس : طرحكم في النار ، (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، ثم أخبر عن حالهم فقال :
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) ، مسكن لهم ، (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) ، يسترضوا ويطلبوا العتبى ، (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) ، المرضين ، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل ، يقال : أعتبني فلان أي أرضاني بعد إسخاطه إياي ، واستعتبه طلبت منه أن يعتب أي يرضى.
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩))
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ) ، أي بعثنا ووكلنا ، وقال مقاتل : هيأنا. وقال الزجاج : سببنا لهم. (قُرَناءَ) ، نظراء من الشياطين حتى أضلوهم ، (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ، من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة ، (وَما خَلْفَهُمْ) ، من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث ، (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) ، مع أمم ، (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، من مشركي قريش ، (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) ، قال ابن عباس : يعني : الغطوا فيه ، وكان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم (٤) محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو. قال مجاهد : والغوا فيه بالمكاء والصفير. وقال الضحاك : أكثروا الكلام فيختلط عليه ما يقول ، وقال السدي : صيحوا في وجهه. (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ، محمدا على قراءته.
(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي) ، يعني بأسوإ الذي ، أي بأقبح الذي ، (كانُوا يَعْمَلُونَ) ، في الدنيا وهو الشرك بالله.
(ذلِكَ) ، الذي ذكرت من العذاب الشديد ، (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) ، ثم بين ذلك الجزاء فقال : (النَّارُ) ، أي هو النار ، (لَهُمْ فِيها) ، أي في النار ، (دارُ الْخُلْدِ) ، دار الإقامة لا انتقال منها ، (لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، أي في النار يقولون ، (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، يعنون إبليس
__________________
(١) تصحّف في المطبوع إلى «أو تعالى».
(٢) تصحفت في المطبوع إلى «تعلمون».
(٣) في المطبوع «تعلمون» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المخطوط (أ) «سمعتم» والمثبت عن المخطوط (ب) وط.