الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول ولا كتاب بعبادة غير الله عزوجل.
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧)) ، استهزاء.
(وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) ، قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها ، (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) ، بالسنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس ، فكانت هذه دلالات لموسى ، وعذابا لهم ، فكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، عن كفرهم.
(وَقالُوا) ، لموسى لما عاينوا العذاب ، (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) ، يا أيها العالم الكامل الحاذق ، وإنما قالوا هذا توقيرا وتعظيما له لأن السحر عندهم كان علما عظيما وصفة ممدوحة ، وقيل : معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره.
وقال الزجاج : خاطبوه به لما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر. (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) ، أي بما أخبرتنا من عهده إليك إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله يكشف عنا العذاب ، (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) ، مؤمنون فدعى موسى فكشف عنهم فلم يؤمنوا.
فذلك قوله عزوجل : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (٥٠) ، ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم.
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧))
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ) ، أنهار النيل ، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) ، من تحت قصوري ، وقال قتادة : يجري بين يدي في جناني وبساتيني. وقال الحسن : بأمري. (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، عظمتي وشدة ملكي.
(أَمْ أَنَا خَيْرٌ) ، بل أنا خير ، (أم) بمعنى بل وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله (أم) ، وفيه إضمار مجازه أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال أنا خير ، (مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) ، ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه.
(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ) ، إن كان صادقا ، (أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) ، قرأ حفص ويعقوب (أَسْوِرَةٌ) جمع سوار ، وقرأ الآخرون أساورة على جمع الأسورة ، وهي جمع الجمع. قال مجاهد : كانوا إذا سوّدوا رجلا سوّروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته ، فقال فرعون : هلا ألقى رب موسى عليه أسورة من ذهب إن كان سيدا تجب علينا طاعته. (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) ، متتابعين يجب أن يقارن (١) بعضها (٢) بعضا يشهدون له بصدقه ويعينونه على أمره.
__________________
(١) في المطبوع «يتابع» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «بعضهم» والمثبت عن المخطوط.