إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))
(إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) (٦٣) ، للكافرين وذلك أنهم قالوا : كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش : إن محمدا يخوّفنا بالزقوم ، والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر ، فأدخلهم أبو جهل بيته ، وقال يا جارية : زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر ، فقال : تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد.
فقال الله تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) ، قعر النار ، وقال الحسن : أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
(طَلْعُها) ، ثمرها سمي طلعا لطلوعه ، (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها ، لأن الناس إذا وصفوا شيئا بغاية القبح قالوا : كأنه شيطان ، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس ، وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي ، وقال بعضهم : أراد بالشياطين الحيات ، والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطانا. وقيل : هي شجرة قبيحة مرّة منتنة تكون في البادية تسميها العرب رءوس الشياطين.
(فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٦٦) ، والملء حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه.
(ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً) ، خلطا ومزاجا ، (مِنْ حَمِيمٍ) ، من ماء حار شديد الحرارة ، يقال : إنهم إذا أكلوا الزقوم شربوا عليه الحميم فيشوب الحميم في بطونهم الزقوم فيصير شوبا له.
(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) ، بعد شرب الحميم ، (لَإِلَى الْجَحِيمِ) ، وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم كما يورد الإبل الماء ، ثم يردون إلى الجحيم ، يدل (١) عليه قوله تعالى : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤) [الرحمن] ، وقرأ ابن مسعود : «ثم إن منقلبهم لإلى الجحيم».
(إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) وجدوا ، (آباءَهُمْ ضالِّينَ). (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (٧٠) ، يسرعون ، قال الكلبي : يعملون مثل أعمالهم.
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) (٧١) ، من الأمم الخالية.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (٧٣) ، الكافرين أي كان عاقبتهم العذاب.
(إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) ، الموحدين نجوا من العذاب.
(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي
__________________
(١) في المطبوع «دل» والمثبت عن المخطوط.