سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١))
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) ، دعا ربه على قومه فقال : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر : ١٠](فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) ، نحن يعني أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه.
(وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (٧٦) ، الغم العظيم الذي لحق قومه وهو الغرق.
(وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) (٧٧) ، وأراد أن الناس كلهم من نسل نوح ، روى الضحاك عن ابن عباس قال : لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلّا ولده ونساءهم ، قال سعيد بن المسيب : كان ولد نوح ثلاثة : سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب وفارس والروم ، وحام أبو السودان ، ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) (٧٨) ، أي أبقينا له ثناء حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
(سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٧٩) ، أي سلام عليه منّا في العالمين. وقيل : أي تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة.
(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٠) ، قال مقاتل : جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين.
(إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٨٢) ، يعني الكفار.
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) ، أي من أهل دينه وملته وسنته ، (لَإِبْراهِيمَ). (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)) ، مخلص من الشرك والشك.
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ) (٨٥) ، استفهام توبيخ.
(أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) (٨٦) ، يعني أتأفكون إفكا وهو أسوأ الكذب ، وتعبدون آلهة سوى الله.
(فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٧) ، إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم.
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (٨٩) ، قال ابن عباس : كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا [يتعاطون](١) لئلا ينكروا عليه ، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة ، وكان لهم من الغد عيد ومجمع وكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين ، ويضعون (٢) بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم ، زعموا لتبرك (٣) عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه ، فقالوا لإبراهيم : ألا تخرج غدا معنا إلى عيدنا ، فنظر إلى النجوم فقال : إني سقيم ، قال ابن عباس : مطعون ، وكانوا يفرون من الطاعون فرارا عظيما. قال الحسن : مريض. وقال مقاتل : وجع. وقال الضحاك : سأسقم.
(فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) (٩٠) ، إلى عيدهم فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها.
كما قال الله تعالى : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) ، مال إليها ميلة في خفية ، ولا يقال : (راغ) حتى يكون
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «ويفرشون لهم الفراش ، ويضعون» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المخطوط : «التبارك» وفي «ط» : «للتبارك».