فالجواب : إنما نهى عن تمنّى لقائهم مع العدد القليل ؛ ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا للقائهم ، وتمنّوا الشهادة فى سبيل الله لنصرة دينه.
(تَحُسُّونَهُمْ (١)) : تقتلونهم قتلا ذريعا ، يعنى في أوّل الأمر.
(تَنازَعْتُمْ) ، يعنى وقع التنازع بين الرّماة ؛ فثبت بعضهم كما أمروا ، ولم يثبت بعضهم ، فعفا الله عنهم بفضله ورحمته.
(تَعُولُوا) : تميلوا. وفى الآية (٢) إشارة إلى الاقتصار على الواحدة. والمعنى أن ذلك أقرب إلى أن تعولوا. وقيل : يكثر عيالكم ؛ وهذا غير معروف فى اللغة.
(تَغْلُوا (٣) فِي دِينِكُمْ) : تجاوزوا الحدّ ، وترتفعوا عن الحق ؛ وهذا الخطاب للنصارى ؛ لأنهم غلوا فى عيسى حتى قالوا ابن الله.
(تَسْتَقْسِمُوا (٤)) : تستفعلوا ، وهو طلب ما قسم له ، وذلك أنهم كانوا يكتبون على الأزلام ـ وهى السّهام ـ على أحدها : افعل ، وعلى الآخر : لا تفعل ، والثالث مهمل ؛ فإذا أراد الإنسان أن يفعل أمرا جعلها فى خريطة ، وأدخل يده وأخرج أحدها ؛ فإن خرج الذى فيه «افعل» فعل ، وإن خرج الذى فيه «لا تفعل» تركه ، وإن خرج المهمل أعاد الضرب. ومن هذا المعنى أخذ الفأل فى المصحف والقرعة وزجر الطير ، ونحوهما مما لا يجوز فعله. وقد شدّد ابن العربى (٥) فى النظر فى شىء منها حتى جعلها من الكفر والعياذ بالله ، مستدلا بالآية (٦) : (ذلِكُمْ فِسْقٌ). وإنما حرّمه الله وجعله فسقا لأنه دخول فى علم
__________________
(١) آل عمران : ١٥٢
(٢) النساء : ٣
(٣) النساء : ١٧١
(٤) المائدة : ٣
(٥) أحكام القرآن : ٢ ـ ٥٤٣
(٦) المائدة : ٣