الرابع : أن عيسى قال .. (وأنتم أيضا تستهدون لأنكم معى من الابتداء) فهذا القول يدل دلالة ظاهرة على أن شهادة الحواريين غير شهادة (فارقليط) فلو كان المراد الروح النازل يوم الدار فلا توجد مغايرة للشهادتين لأن الروح المذكور لم يشهد شهادة مستقلة غير شهادة الحواريين بل شهادة الحواريين هى شهادته بعينها. فلا يصح هذا القول بخلاف ما إذا كان المراد به النبى المبشر فإن شهادته غير شهادة الحواريين» (١).
خلاصة هذا أن الله تعالى سيبعث نبيا آخر (فارقليط) يقوم مقام المسيح في تبليغ رسالة ربه وسياسة الخلق وهذا النبى لم يعاصر المسيح وإنما جاء بعده وهذا معنى قول المسيح «الحق أنه من الخير لكم أن انطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إذا ذهبت أرسله لكم» أى أنهما لا يجتمعان في زمن واحد لأن المسيح علق مجيئه بذهابه ... والمعزى هو روح الحق الذى لا يتكلم من نفسه وإنما بوحى من الله «وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع ويخبركم بأمور آتية» (٢).
بعد ذلك نشير إلى أن محمدا «صلىاللهعليهوسلم» لو تقول على الله شيئا من عنده لجاءه القتل عقابا سريعا لا راد له من الله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧)) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧].
ونجد التوراة تذكر أن الموت العاجل لا بد وأن يفاجئ كل من يدعى كذبا أنه نبى لله يوحى إليه ويتكلم باسمه زورا «وأما النبى الذى يطغى فيتكلم باسمى كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذى يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبى» (٣).
بل جاء في السامرية : «فليقتل ذلك النبى» فالموت هنا لا يعنى به الموت الطبيعى الذى تذوقه كل نفس وإنما يقصد به القتل أو الموت غير الطبيعى الذى ينهى حياة مدّعى الرسالة كذبا. ووسائل هذا الموت العاجل كثيرة مثل : القتل أو الغرق ونحوه لأنها وسائل تفضى إلى الموت العاجل.
وأمثلة ذلك ما جاء في التوراة : «نهاية كل بشر قد أتت أمامى لأن الأرض قد امتلأت ظلما منهم. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء كل ما في الأرض يموت ...» وكان الطوفان على الأرض
__________________
١ ـ رحمة الله الهندى المصدر السابق.
٢ ـ يوحنا ١٦ : ٧ ، ١٣.
٣ ـ تثنية : ١٨ : ٢٠.