كشفنا ـ فيما سبق ـ أن نبوة محمد «صلىاللهعليهوسلم» ، ثابتة ـ على وجه القطع واليقين ـ بوجوه عديدة منها : دلالة المعجزات على النبوات ، وقد ثبت أن الله جل وعلا قد جمع له جميع أنواع المعجزات والخوارق : المادى والحسى منها ، والعقلى. وأجلها المعجزة القرآنية.
كما ثبت أن نبوته «صلىاللهعليهوسلم» مقررة في التوراة والإنجيل ، فلم يأت نبى من بعد إبراهيم إلا من ذريته : إسماعيل وإسحاق.
ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهر فيما بشرت به النبوات غير محمد «صلىاللهعليهوسلم» ، وقد دعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسولا منهم.
كما اتضحت أوجه التشابه ، بل التطابق بين الوحى الإلهى إلى موسى وعيسى ومحمد عليهمالسلام.
وكما ثبت أن رسالتى موسى وعيسى وحى الله تعالى ثبت أيضا ـ فى التوراة والإنجيل ـ أن رسالة النبى الآتى ، محمد «صلىاللهعليهوسلم» وحى من الله تعالى ، كما أنها تصديقا وتثبيتا للرسالات السابقة ومهيمنة عليها.
فإن الله القادر على كل شىء أبان شخصيته قائلا : «وأجعل كلامى في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به» (١) فضلا عن وجوب اتفاق هذه الكلمات مع كلمات الوحى للرسالات السماوية السابقة لأنها ولا ريب من مصدر واحد هو الله الواحد الأحد ، مع ملاحظة الفارق الكبير بين الاتفاق والنقل (٢).
والمحصلة النهائية لما سبق أن الدين واحد ، لأنه صادر من مشكاة واحدة ، صفات الوحى إلى محمد «صلىاللهعليهوسلم» هى نفسها إلى موسى وعيسى عليهماالسلام فما ذا يريد المستشرقون بعد هذا البيان المدعم بالأدلة العقلية والنقلية؟
التشكيك في الوحى إلى محمد «صلىاللهعليهوسلم».
تجاهل كثير من المستشرقين ، تلك الحقائق عن الوحى وذهبوا مشككين فى مجىء الوحى الإلهى إلى نبينا «صلىاللهعليهوسلم» ، وتباينت آراؤهم : فمن قائل : إنه حالة نفسية ، أو ما يطلقون عليه الوحى النفسى ، ومن قائل : إنها حالة مرضية ، كالصرع (٣) الهستيرى ، ومن قائل : إن محمدا كان من أعلى حالات الصحة النفسية والجسمية
__________________
١ ـ تثنية ١٨ : ١٨.
٢ ـ إبراهيم خليل أحمد : محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ص ٥٤ ـ ٥٦ «مصدر سابق».
٣ ـ وقد فندنا هذا الزعم في ردنا على كولدتسين (أنظر بحثنا : موقف جولدتسين من القرآن الكريم.
منشور بالكتاب الدورى بقسم الاستشراق. كلية الدعوة ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).