لم يسبق له أن قرأ كتابا قبل القرآن أو كتب بيده. ولا شك أن معارضيه كانوا يعرفون أنه أمى لم يقرأ ولم يكتب من قبل ، لذلك (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥] لم يجرءوا أن يقولوا «كتبها» وإنما قالوا «اكتتبها» أى كتبها له غيره ، وهما عبارتان مختلفتان تمام الاختلاف (١).
وعند آية العنكبوت (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ). يقول الإمام ابن تيمية : «بيّن سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه متواتر عند من غاب عنه وبلغته أخباره من جميع الناس أنه كان أميا لا يقرأ ولا يخط كتابا من الكتب المنزلة ولا غيرها ولا يقرأ شيئا مكتوبا لا كتابا منزلا ولا غيره ولا يكتب بيمينه ولا ينسخ شيئا من كتب الناس لا المنزلة ولا غيره» (٢).
أما «واط» فإن كتب السيرة التى عرضت لحياة رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» أى الواقع التاريخى له ينكر ما ذهب إليه ، ففضلا عما أجبنا به ، جاء فى «فتح البارى للإمام ابن حجر» حول «ما أنا بقارئ» : «ما نافية ، إذ لو كانت استفهامية لم يصح دخول الباء ، وإن حكى عن الأخفش جوازه فهو شاذ ، والباء زائدة لتأكيد النفى ، أى ما أحسن القراءة» (٣) يقول الطيبى : «إن ما أنا بقارئ يفيد التقوية والتأكيد. والتقدير : لست بقارئ البتة.
إن محمدا لم يكن يعيش في كوكب غير كوكب الأرض ، ولو كان يعرف شيئا من الكتابة والقراءة لارتاب في أمره المبطلون من المشركين ، فقالوا : لعله تعلمه من غيره ، وكتبه بيده ، لقد شهد قومه المعادون له أنه : لم يكن يقرأ شيئا من الكتب لا نسخا ولا حفظا لأنه أمى (٤).
فضلا عن أن «واط» تعامل مع رواية «ابن هشام» تعامل «لا تقربوا الصلاة» و «فويل للمصلين» فبالرجوع إلى ابن هشام وجدنا الرواية تقول : «قال رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» : فجاءنى جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال : اقرأ. قال : قلت ما اقرأ ...».
يقول الدكتور «جعفر شيخ إدريس» : واضح من الرواية إذن أن المقصود قراءة شىء مكتوب فيكون معنى «ما اقرأ» : «لا أعرف القراءة».
__________________
١ ـ د. محمد عبد الله دراز : مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٤٠ دار القلم الكويت ١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٤ م.
٢ ـ ابن تيمية : الجواب الصحيح ج ٤ ص ٣١.
٣ ـ ابن حجر : فتح البارى لشرح صحيح البخارى ج ١ ص ٢٤ ، السيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٣٩٣.
٤ ـ ابن تيمية : الجواب الصحيح ج ١ ص ١٤١ ، ج ٤ ص ٣٤.