وتقول الرواية بعد ذلك «قال : فغتنى به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلنى فقال : اقرأ. قال : قلت ما ذا اقرأ؟ قال : فغتنى به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلنى فقال : اقرأ. قال : فقلت : ما ذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لى بمثل ما صنع بى فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)(١)(٢).
وواضح أن الرواية أن رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» قال لجبريل : لا أعرف القراءة ، فلما غته أراد الرسول تفادى هذه الغتة مرة أخرى فقال له : ما ذا تريدنى أن أقرأ؟.
من ناحية أخرى فإن «واط» يغمز رواة الحديث بأنهم وضاعون فتصرفوا في رواية ابن هشام ـ وغيرها ـ بحيث تؤدى إلى تقرير أمية محمد ، أى أن حقيقة أمية محمد من اختراع الرواة المتأخرين ، و «واط» هنا يتجاهل تقرير القرآن لهذه الحقيقة إذ يقول : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨].
إن مقتضيات البحث العلمى تلزم الباحث الجاد ألا يقتصر على رواية واحدة ، بل عليه فحص الروايات الأخرى المتعلقة بنفس الموضوع.
ثم يعود «واط» إلى رمى الإسلام بما ليس فيه فيقول : «إن الإسلام التقليدى يقول بأن محمدا لم يكن يقرأ ولا يكتب. ولكن هذا الزعم مما يرتاب فيه الباحث الغربى ، لأنه يقال لتأكيد الاعتقاد بأن إخراجه للقرآن كان معجزا. وبالعكس لقد كان كثير من المكيين يقرءون ويكتبون ، ولذلك يفترض أن تاجرا ناجحا كمحمد لا بد أن يكون قد عرف شيئا من هذه الفنون» (٣).
وإن تعجب فعجب قوله : الإسلام التقليدى. الإسلام التقليدى هو الذى يقرر أمية محمد «صلىاللهعليهوسلم» أما الإسلام المتحرر ، الإسلام الاستشراقى فإنه يرتاب في تقريرات الإسلام التقليدى.
ما ذا يقصد «واط» بالإسلام التقليدى؟ لا إجابة ، ونحن نهديها إليه.
الإسلام هو القرآن الكريم ، لأنه هو الذى قدر حقيقة واقعة هى أمية رسولنا الكريم ، وذلك قبل أن يتكلم أو يسجل رواة الأحاديث مع أنهم عدول ثقات جاء هذا التقرير في آيات عديدة ذكرنا جانبا منها : فى سورة العنكبوت آية ٤٨ وسورة الأعراف آية ١٥٧ ، وسورة الجمعة آية ٢.
__________________
١ ـ ابن هشام : السيرة النبوية تحقيق مصطفى السقا وآخرين ج ١ ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، دار إحياء التراث العربى.
٢ ـ د. جعفر شيخ إدريس : منهج «واط» فى دراسة نبوة محمد ص ٢٢٣ (مناهج المستشرقين فى الدراسات العربية والإسلامية ج ١).
٣ ـ واط : محمد نبيا ورجل دولة ص ٣٩ ـ ٤٠ ، د. جعفر شيخ إدريس : المصدر السابق ص ٢٢٥.