هذان مستشرقان غربيان وليسا بإسلاميين ، وفقا هنا حين أنصفا الحقيقة التى لا يمارى فيها إلا مكابر.
وأخيرا وقع المستشرق «واط» فى مأزق ـ وهو الباحث الحازق ـ حين أوقف إعجاز القرآن على أمية محمد «صلىاللهعليهوسلم» فقط. فهل نلتمس له العذر باعتباره لم يستطع الوقوف على أوجه إعجاز القرآن لاعتبارات عديدة هو مفتقر إليها منها ـ فيما يقول صاحب الكشاف ـ «... لا يغوص على شىء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع فى علمين مختصين بالقرآن وهما : علم المعانى وعلم البيان ، وتمهل في ارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنهما ، وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله ، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ... فارسا في علم الإعراب .. ذا دراية بأساليب النظم والنثر ... قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف ... وكيف ينظم ويرصف» (١).
لقد خاض المستشرق في بحر لجى لا يحسن السباحة فيه.
و «واط» متخبط ، فهو فى «محمد في مكة» يعتبر أمية الرسول هى العنصر الرئيسى للتدليل على إعجاز القرآن ، بحيث إذا سقطت الأمية انتفى الإعجاز القرآنى وهذا ما فندناه منذ قليل. ثم يعود في كتابه «محمد نبيا ورجل دولة» ليقر بأن أمية الرسول من الأدلة المؤيدة لإعجاز القرآن. وقد أصاب هنا «وذلك لأن القرآن يقول : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)) [العنكبوت : ٤٨].
فالقرآن لا يقول : «إذن لثبت أن القرآن ليس وحيا» وإنما قال : (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أى لوجد الجاهلون في ذلك شبهة يتمسكون بها ، فالأمية دليل مؤيد وليس دليلا ضروريا» (٢).
وثمة مأخذ آخر على «واط» إذ يقول «ويبدو من المؤكد ، تقريبا» (٣). فكيف يجتمع التأكيد الذى هو اليقين ، والتقريب الذى هو الاحتمال والإمكان؟
ننتقل بعد ذلك إلى تناول الوحى من زاوية أخرى ولكنها متصلة بأمية الرسول «صلىاللهعليهوسلم».
__________________
١ ـ الزمخشرى : الكشاف ج ١ ص ٣ ط. أولى المطبعة الشرقية.
٢ ـ د. جعفر شيخ إدريس : المصدر السابق ص ٢٢٥.
٣ ـ محمد في مكة ص ٨٥.