هو : «اللاوعى» للنبى ، بما قاله المؤرخ الغربى الملحد «تونبى» : «إن المشاهدة القابلة للفهم على السطح الشعرى من اللاشعور تسمى النبوة» (١).
وفضلا عن كونها نظرة مادية إلى الدين فإن الوحى بمقتضاها لا وجود له.
ولو أن «واط» فكر في هذه النتيجة فإنه سيصل إلى تكذيب الوحى إلى موسى وعيسى أيضا.
وبمفهوم المخالفة فإن نظريتهم في اللاوعى أو اللاشعور تؤدى إلى إثبات الوحى إلى محمد «صلىاللهعليهوسلم». كيف؟.
اللاوعى أو اللاشعور ـ حسب مفهومهم ـ هو انطباع النفس بما تراه وتشاهده فى المجتمع ... وفي مرحلة متأخرة تظهر هذه الانطباعات ، أو تنفلت ، أو تطفو على السطح أى إلى الوعى أو الشعور ، أى أنها مختزنة ولا يشعر بها الإنسان إلا بعد انفلاتها ، وظهورها ومع هذا لا يعرف مصدرها.
فهل جرت حياة محمد «صلىاللهعليهوسلم» على هذا النمط؟ لقد «بغضت إليه الوثنية من مبدأ عمره ، فعالجته طهارة العقيدة ، كما بادره حسن الخليقة». (٢)
وقد كان يكفينا هذا وما اقتبسناه ـ فيما سبق ـ من رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده (٣). ولكن نطرح هذا السؤال فالإجابة لها فوائد عظيمة.
هل القرآن الكريم ، وهو وحى الله تعالى إلى محمد ـ انبثاق خلاق من اللاوعى المحمدى عند كثير من المستشرقين ـ يتوافق مع عقائد المجتمع المكى الذى نشأ فيه محمد حتى أوحى إليه؟
أولا : جاء القرآن بالتوحيد وهم مجتمع وثنى فنعى عليهم ذلك ، وعنفهم ، وندد بهم : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧)) [النحل : ١٧]. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل ٦٠](أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [النمل : ٦١](أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤)) [النمل : ٦٤] ولكنهم تعجبوا أن جاءهم بغير ما هم عليه ، جاءهم بالتوحيد : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥].
جاءهم محمد «صلىاللهعليهوسلم» بالأخلاق السامية الرفيعة ، أما أخلاقهم فيبينها القرآن
__________________
١ ـ. ١٢٣.p ، sAp proachtoReligion Historian وحيد الدين خان : الدين في مواجهة العلم ص ٩٢ ترجمة : ظفر الإسلام خان. كتاب المختار بالقاهرة ط ٤
٢ ـ محمد عبده : رسالة التوحيد ص ١٢٠.
٣ ـ أنظر ص ١٢٣ من هذا الكتاب.