الشاعر عن وصف النار يقلد أسلوب التوراة ، وعند ما يشرع في وصف الجنة يستخدم عبارات القرآن ، وعند ما يقص التاريخ الدينى يلجأ أحيانا إلى الأسطورة الشعبية (١).
ومع أننا نرفض أن تنزل السيرة النبوية منزلة أى رواية تاريخية لبعدها الدينى والعقدى ، إلا أننا نرى أن نقد الرواية التاريخية مطلوب إن لم يكن ضروريا ، والمستشرقون تناولوا السيرة النبوية من خلال منهج نقدى مبالغ فيه بينما شعر «أمية» لم يتعرض لمثل هذا المنهج «والغريب في أمر المستشرقين في هذا الموضوع وأمثاله ، أنهم يشكون في صحة السيرة نفسها ، ويتجاوز بعض الشك إلى الجحود ، فلا يرونها مصدرا تاريخيا صحيحا ، وإنما هى عندهم .. طائفة من الأخبار والأحاديث تحتاج إلى التحقيق والبحث العلمى الدقيق ، ليمتاز صحيحها من منحولها ، هم يقفون هذا الموقف العلمى من السيرة ويغلون في هذا الموقف ، ولكنهم يقفون من أمية وشعره موقف المتيقن المطمئن ، مع أن أخبار أمية ليست أدنى إلى الصدق ولا أبلغ في الصحة من أخبار السيرة فما سر هذا الاطمئنان الغريب إلى نحو من الأخبار دون الآخر؟ أيكون المستشرقون أنفسهم لم يبرءوا من هذا التعصب الذى يرمون به الباحثين من أصحاب الديانات؟» (٢).
هذا النقد له اعتباره ، ويمكن الاعتماد عليه في قياس ما كتب المستشرقون عن الإسلام.
وهناك عقبة يستحيل على المكابرين من المستشرقين تذليلها ، لأن في هذا الوقت ، لم تكن قد وجدت بعد توراة ولا إنجيل باللغة العربية (٣). ووجود هذه الوثائق بلغات أجنبية جعلها حكرا لبعض العلماء المتحدثين بأكثر من لغة الذين حفظوها بعناية (٤).
فضلا عن المستوى الثقافي المتدنى لليهود في جزيرة العرب يقول ابن خلدون : «إذا تشوقت العرب إلى معرفة شىء مما تتشوق إليه النفوس البشرية من أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود ، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدون منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ، ومن تبع دينهم من النصارى. وأهل التوراة الذين
__________________
١ ـ د. محمد عبد الله دراز : مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٤٣ ـ ١٤٤.
٢ ـ د. طه حسين : في الأدب الجاهلى ص ١٤٣ ط لقاهرة ١٩٥٨ م.
٣ ـ أكد الدكتورGRAF أنه لم يظهر الكتاب المقدس باللغة العربية إلا بعد ذلك ـ بعد البعثة المحمدية ـ بقرون عديدة ولم تكن الحاجة ملحة لإنجيل باللغة العربية إلا في القرن التاسع والعاشر (مجلة العالم الإسلامى. إبريل ١٩٣٩) عن د. دراز : مدخل إلى القرآن العظيم. هامش ص ١٤١.
٤ ـ د. دراز : مدخل إلى القرآن العظيم ص ١٤١.