ثم يستطرد : «وهكذا فإن قيمة الآيات الإبليسية مهمة ، فهل اعترف محمد بصحتها لأنه كان يهمه كسب الأنصار في المدينة والطائف وبين القبائل المجاورة؟ كان يحاول التخفيف من تأثير الزعماء القرشيين المعارضين له باكتساب عدد كبير من الأتباع؟ ذكر هذه المعابد دليل على أن نظرته أخذت في الاتساع. (!) أما وقد نسخت هذه الآيات ـ المزعومة ـ فإن نسخها «مرتبط ـ في زعم المستشرق ـ أيضا بفشل هذه التسوية ـ أى بين محمد وزعماء مكة ـ ولا شىء يسمح لنا بالاعتقاد أن محمدا قد استسلم لخداع المكيين. ولكنه انتهى به الأمر إلى إدراك أن الاعتراف ببنات الله (كما كانت تسمى الآلهة الثلاثة وغيرها) يعنى إنزال الله إلى مستواها ، وعبادة الله في الكعبة لم تكن في الظاهر تختلف عن عبادتها في نخلة والطائف وقديد ..» (١).
ثم يذكر «واط» أن محمدا تحت وطأة الحاجات المادية كان مستعدا للاعتراف بهذه الأصنام باعتبارها آلهة ، ولما في هذا الاعتراف من تسهيل مهمته.
كلام المستشرق «واط» يشير إلى بشرية القرآن فمحمد صلىاللهعليهوسلم حر مختار يضيف إلى القرآن ويحذف ما يشاء ، فأمر القرآن أو الوحى موكول لإرادته ـ وقد سبق له الادعاء بقدرة النبى على استدعاء الوحى بوسائله الخاصة ـ يتمثل في نحو قوله «أعلن محمد أن هذه الآيات لا يجب اعتبارها جزءا من القرآن» ، «كان يجب على محمد أن يشير في القرآن ..» ونحو قوله في موضوع آخر : «.. والحقيقة هى أن توحيده ـ توحيد محمد ـ كان في الأصل كما كان توحيد معاصريه المثقفين ، غامضا ، ولم ير بعد أن قبول هذه المخلوقات الإلهية ـ اللات والعزى ومناة مخلوقات إلهية (!) ـ كان يتعارض مع هذا التوحيد ..» (٢).
استغل واط هذه القصة للتشكيك في الوحى الإلهى إلى نبينا محمد «صلىاللهعليهوسلم» ، لم يكلف نفسه البحث عما أثير حولها ورواياتها ، واستخلاص الصحيح من غيره ، والقوى من الضعيف ، أو يكون قد بحث ـ وهذا واضح ـ ولكنه ، ـ وقد كوّن فكرة مسبقة ـ وقع على الضعيف الشاذ فأخذه سندا لدعواه.
من ناحية أخرى كيف فات على «واط» أن الآيات الإبليسية المدعاة لو وضعت في سياق آيات السورة لظهر التناقض البين ، والذى لا يخفي على أحد؟ إنها ـ كما
__________________
١ ـ واط : محمد في مكة ص ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٧٠.
٢ ـ د. عماد الدين خليل : المستشرقون والسيرة ص ٧٢ مصدر سابق.