يقول الدكتور عماد الدين خليل ١ ـ فوضى فكرية ، وتصور مضطرب متهافت للدين ، لا هو بالمادى فيرفض الحقيقة الدينية ، ولا هو بالمؤمن فيعترف ببداهتها ومسلماتها.
أما القصة المفتراة : فهى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قرأ سورة النجم وقال : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) أضاف : تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) [النجم : ١٩ ـ ٢٤] قيل : فلما ختم الرسول صلىاللهعليهوسلم السورة سجد وسجد معه المسلمون والمشركون ، وجاء في بعض الروايات أن الشيطان ألقاها على لسانه ، وأن النبى كان قد تمنى ألا ينزل عليه شيئ من الوحى يعيب آلهة المشركين لئلا ينفروا عنه.
أثبتنا في غير هذا الموضع (٢) أن عصمة الأنبياء واجبة حتى يؤخذ عنهم ، وأثبتنا ـ هنا ـ أن العلم المعجز يقع موقع التصديق لمدعى النبوة والرسالة ، جاريا مجرى قوله تعالى له : صدقت في أنك رسولى ومؤد عنى. فلا بد من أن يكون هذا المعجز مانعا من كذبه وافترائه على الله فيما يؤديه عنه لأنه تعالى لا يجوز أن يصدق الكذاب المفترى ، لأن تصديقه قبيح (٣).
لذلك يقول النبى صلىاللهعليهوسلم : «ما كان لنبى أن تكون له خائنة الأعين» فنفي صلىاللهعليهوسلم عن جميع الأنبياء أن تكون لهم خائنة الأعين وهو أخف ما يكون من الذنوب ومن خلاف الظاهر للباطن ، فدخل في هذا جميع المعاصى صغيرها وكبيرها ، سرها وجهرها (٤).
في ضوء هذا نرد هذا الافتراء على الرسول صلىاللهعليهوسلم :
أولا : عبارة : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى. تقع بين ذمين ، مما يمنع حملها على المدح.
وإذا نظرنا إليها من جانب آخر نجد التناقض الواضح في هذا السياق ، فالغرانيق مدحت وذمت في ذات الوقت والجمع بين النقيضين فساد ، لا يعقله : لا المسلمون ولا المشركون وهم أصحاب الفصاحة والبلاغة.
يقول صاحب الظلال : ... وقد رفضت منذ الوهلة الأولى تلك الروايات جميعا ...
__________________
١ ـ المصدر السابق المستشرقون والسيرة.
٢ ـ انظر : عصمة الأنبياء بين اليهودية والمسيحية والإسلام للمؤلف.
٣ ـ القاضى عياض : الشفا بتعريف حقوق المصطفي ج ٣ ص ١٢٤.
٤ ـ ابن حزم : الفصل ج ٤ ص ٢٢