كلام المستشرق يوحى بالموضوعية والإقرار بالحقيقة فهل استمر والتزم بهذه الموضوعية في طول كتابه وعرضه؟ لننظر إليه يقول ـ بعد هذا الإطراء ـ : «كان الهواء يفوح بالزهد وكان الزهاد يحرمون الخمر ، ويستحبون الاعتدال الجنسى ، وكما حدث في الإسلام بعد ذلك فالراجح أن العناصر المسيحية غلبت اليهودية في تكوين وجهات نظرهم وسننهم ، ولكن العربى الذى كان يبحث عن الصدق لم يكن يعنيه كثيرا ممن يأخذ آراءه الدينية التى يستولى عليها ، ذلك أن حرمانه من كل ميراث قومى أجبره على الأخذ من مختلف العقائد» (١)
ومع أننا رددنا مثل هذه الادعاءات الكاذبة ، الضالة المضلة لأمثال هذا المستشرق ، إلا أننا ننبه : كيف أنه يتسلل برفق ولين ودهاء ، دون ضجيج ، ودون الإعلان عن خبيئة نفسه إلى التشكيك في القرآن الكريم.
إننا نحمد الذى أحسن وأنصف ـ فقد أنصف نفسه واحترم عقله ـ غير أننا لا ينبغى أن نستنيم إلى المديح حتى لا نخدر.
المآخذ علي جل المستشرقين ومناهجهم فيمكن اجمالها في الآتي :
١ ـ انتقاء الضعيف الشاذ من الروايات طالما أنها تحقق أهدافهم ، والإعراض عن الروايات الصحيحة المتواترة.
٢ ـ البعد عن الموضوعية ، والتأسيس على موقف مسبق مثل : «الإسلام لا يمثل منافسا رهيبا فحسب بالنسبة إلى الغرب ، بل إنه يمثل كذلك تحديا متأخرا للمسيحية» (٢) مما يتنافى وما يزعمه المستشرق (بارت) ٣ ـ مثلا ـ من نوايا علمية خالصة.
وتفتقد الموضوعية تماما في تناولهم للإسلام ، أما عند ما يتناولون البوذية والهندوكية وغيرهما يكونون موضوعيين في عرضهم لهذه الديانات (٤)
٣ ـ الرجوع إلى آراء وكتابات مستشرقين قدامى عرف عنهم العداء الشديد والخصام الألد للإسلام والمسلمين ، مما يؤكد التماثل بين الصورة ـ السيئة ـ التى ينظمها المحدثون للإسلام والصورة السيئة التى وضعها القدامى مع ادعاء المحدثين
__________________
١ ـ المصدر السابق ، مصطفي نصر المسلاتى : الاستشراق. السياسى ص ٤٢ مصدر سابق وأيضا : هاملتون جب : دراسة في حضارة الاسلام ، وأيضا : مونتجمرى واط؟ WhatisIslam
٢ ـ ادوارد سعيد : تغطية الاسلام ... ص ٣٦ ترجمة سميرة نعيم خورى بيروت ١٩٨٣ م.
٣ ـ بارت : المرجع السابق ص ١٠.
٤ ـ د. محمود حمدى زقزوق : السابق ص ١٤١.