الموضوعية ، ومعالجة أخطاء القدامى.
ويعترف «سوذرن» بذلك ، فيقول : «... وهكذا فإنه في ضوء العهد القديم الذى جعل فيه المسلمين أعقابا لإسماعيل ـ وجعلهم أعقابا لهاجر الجارية المصرية ـ أمكن فهم أخلاق وسلوك هؤلاء ـ أى المسلمين ويطلق عليهم الرازانيون ـ وما كان (بدا) ـ هو عالم بنصوص الكتاب المقدس في أوائل القرون الوسطى ـ أول من فعل ذلك ، كما لم يكن الأخير ، بيد أن أهمية ما قام به تكمن في أنه أول من أدخل المسلمين في تفسير العهد القديم وصار الآخر بعده بمثابة كليشية يستعمله الجميع في شروح الكتاب المقدس وخارجها» (١)
٤ ـ وبمقتضى ما سبق فإن الزعم بأن الاستشراق المعاصر قد تخلى عن الأفكار القديمة والتى كانت تسيء إلى الاسلام ونبى الإسلام ، غير صحيح ، فمن الواضح أن صورة العصور الوسطى النصرانية للإسلام قد ظلت في جوهرها دون تغيير ، وإنما نفضت عنها الثياب القديمة لأجل أن تضع عليها ثيابا جديدة أقرب إلى العصر ، وتتعدد أمثلة الإصرار على الأفكار العتيقة سواء فيما يتعلق بالقرآن ومحمد صلىاللهعليهوسلم أو ما يتعلق منطقيا بالعقيدة والشريعة والتاريخ في الإسلام» (٢)
٥ ـ الاضطراب ـ أو قل الفوضى ـ في تطبيق المناهج ، كمحاولاتهم إخضاع ما هو غيب مناهج مادية صرفة ، علما بأنه إذا أخضع الغيب للحس والعقل لا يكون غيبا ولا يكون دينا (٣)
من ناحية أخرى لا يريد المستشرقون أن يستغل المسلمون نفس المقاييس التى استخدموها للتشكيك في الإسلام ، لأنه لو تمكن المسلمون من استغلالها وتطبيقها على عقيدة المستشرقين لاضطر هؤلاء إلى أن يسلموا على الأقل بأن الدين لا يجب أن يخضع لمثل هذه المقاييس.
يقول الدكتور مصطفي السباعى : «... ترى لو استعمل المسلمون معايير النقد العلمى التى يستعملها المستشرقون في نقد القرآن والسنة ، في نقد كتبهم المقدسة ، وعلومهم الموروثة ، ما ذا كان يبقى لهذه الكتب المقدسة والعلوم التاريخية عندهم من
__________________
١ ـ ريتشارد سوزرن : صورة الاسلام في أوربا في القرون الوسطى ص ٥٣ بيروت ١٩٨٤ م.
٢ ـ د. طيباوى : المصدر السابق ص ٣٥.
٣ ـ أنظر : مباحث في المعرفة في الفكر الاسلامى للمؤلف ، د. حسن حنفى : التراث والتجديد ص ٩٠ ١٠١ مصدر سابق.