من ذيول ، فى عقل الأوربيين» (١).
ويعترف بعض المستشرقين بهذا الخلل المنهجى ، فيقول المستشرق مونتجمرى واط :
«أما أوسع الدراسات فهى دراسة كيتانى في كتابه (حوليات الإسلام) وليس من الصعب تصحيح مبالغاته في الشك ...» (٢). ولكن يبدو أن هذا الاعتراف من باب المداهنة ، لأنه وقع في نفس المحظور الذى عابه على كايتانى ـ على ما سوف نرى ـ.
يقول الدكتور جواد على : (كان كايتانى) «ذا رأى وفكرة ، وضع رأيه وكونه فى السيرة قبل الشروع في تدوينها فإذا شرع بها استعان بكل خبر من الأخبار ظفر به ، ضعيفها وقويها ، وتمسك بها كلها ولا سيما ما يلائم رأيه ولا يبالى بالخبر الضعيف بل قوّاه وسنّده وعده حجة وبنى حكمه عليه ، ومن يدرى فلعله كان يعلم بسلاسل الكذب المشهورة والمعروفة عند العلماء ولكنه عفا عنها وغض نظره عن أقوال أولئك العلماء فيها لأنه صاحب فكرة يريد إثباتها بأية طريقة كانت ، وكيف يتمكن من إثباتها وإظهارها وتدوينها إذا ترك تلك الروايات ، وعالجها معالجة نقد وجرح وتعديل على أساليب البحث الحديث» (٣). إن الكثير من كتابات كثير من المستشرقين سارت على هذا النهج ، مدفوعة في أغلب الأحيان بآراء مسبقة وأفكار متصورة سبق أن اعتقدها المستشرق حول : ما ذا يجب أن يكون الإسلام ونبى الإسلام ، فضلا عن الضلال ، والكذب ، وادعاء العلمية والموضوعية.
يقول الدكتور عبد الرحمن بدوى عن المستشرق اليسوعى (هنرى لامانس) : وأبشع ما فعله خصوصا فى (كتابه فاطمة وبنات محمد) هو أنه كان يشير فى الهوامش إلى مراجع بصفحاتها. وقد راجعت معظم هذه الإشارات في الكتب التى أحال عليها ، فوجدت أنه إنما يشير إلى مواضع غير موجودة إطلاقا فى هذه الكتب.
أو يفهم النص فهما ملتويا خبيثا. أو يستخرج إلزامات بتعسف شديد يدل على فساد الذهن وخبث النية ، ولهذا ينبغى ألا يعتمد القارئ على إشارته إلى مراجع ، فإن معظمها تمويه وكذب وتعسف في فهم النصوص. ولا أعرف باحثا من بين المستشرقين المحدثين قد بلغ هذه المرتبة من التضليل وفساد النية (٤).
وهكذا نتبين أن منهج كلا من كايتانى ولامانس هو اللامنهجية ، إذ كيف يستقيم ادعاء التزام المناهج العلمية في تناول الإسلام مع هذا العبث؟ كيف يستقيم
__________________
١ ـ محمد أسد : الإسلام على مفترق الطرق ص ٦٠.
٢ ـ واط : محمد في مكة ص ٩.
٣ ـ د. جواد على : تاريخ العرب في الإسلام ١١٨ بيروت ١٩٨٣ م.
٤ ـ د. عبد الرحمن بدوى : موسوعة المستشرقين ص ٣٤٧ ـ ٣٤٩.