الوحي في اللغة والاصطلاح : ـ
جرب الإنسان ارتياد عالمه بحواسه وعقله ، وثبت عجزه عن تجاوز هذا العالم المشاهد ، فضلا عن عدم إحاطته بهذا العالم. ومن ثم أصبح الإنسان بحاجة إلى وسيلة معرفية أخرى ـ غير الحس والعقل ـ وسيلة مأمونة مضمونة تبدد هذه الحيرة وهذا الاضطراب ، لا بدّ من وسيلة موصولة بخالق الكون ومدبره ، لا بدّ من وحى من الله تعالى يكشف للإنسان عن بعض ما غيب عن الحس والعقل.
الوحى الإلهى إلى الإنسان مقصود به هدايته وتكميل إدراكاته ، ووصل إدراكه الجزئى بالمدركات الكلية وراء الكون المشاهد.
نريد أن نقول أن الوحى والعقل ضروريان ومتكاملان وأن هذا التكامل لا يكون ولا يتحقق إلا بإدراك أن للعقل ميدانه لا يتجاوزه. فالعقل آلة إدراكية محدودة كمحدودية الحواس.
يقول الإمام الشاطبى : «إن الله جعل للعقل في إدراكه حدا تنتهى إليه ، لا تتعداه ، ولم يجعل لها سبيلا إلى الإدراك في كل مطلوب ولو كانت كذلك لاستوت مع البارى ـ تعالى ـ فى إدراك جميع ما كان وما لا يكون» (١).
الوحى لا يضاد طبيعة العقل كعقل ، فلا تنافر بينهما بشرط أن يكون المعقول صريحا والمنقول صحيحا كما يقول الإمام ابن تيمية : (٢) لا يستقل عقل دون هداية* بالوحى تأصيلا ولا تفصيلا كالطرف دون النور ليس بمدرك* حتى تراه بكرة وأصيلا نور النبوة مثل نور الشمس* للعين البصيرة فاتخذه دليلا (٣)
حقيقة الوحي : ـ
الوحى هو «الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفى ، وكل ما ألقيته إلى غيرك ، يقال : وحيت إليه الكلام ، ووحى وحيا ، وأوحى أيضا أى كتب» (٤)
__________________
١ ـ الشاطبى : الاعتصام ج ٢ ص ٣١٨. دار عمر بن الخطاب بالإسكندرية / مصر.
٢ ـ ابن تيمية : نقض المنطق ص ٥٣.
٣ ـ ابن القيم : مختصر الصواعق المرسلة ص ١٤٦ ـ ١٤٧ مكتبة المتنبى. القاهرة.
ومباحث في المعرفة في الفكر الإسلامى للمؤلف.
٤ ـ ابن منظور : لسان العرب ح ٣ دار المعارف بمصر ١٩٨٢ م.