وقيل أيضا : «أصل الوحى في اللغة : إعلام في خفاء ، ولذلك صار الإلهام وحيا (١) ويقال : «فى فعله وحى وأوحى» (٢) ويحتمل أن يكون الوحى اسما ومصدرا ، فهو اسم «ومعناه الكتاب ، ومصدرا وله معان منها ، الإرسال والإلهام والكتابة والكلام والإشارة والإفهام» (٣) وقد «يطلق ويراد به اسم المفعول منه أى الموحى وهو كلام الله المنزل على النبى صلىاللهعليهوسلم» (٤).
الوحى ـ إذن ـ إعلام الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم ، ولكن بطريقة خفية ، غير معتادة للبشر ، أى خارجة عن طوق البشر.
ولما كانت صفة الوحى إلى نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، توافق صفة الوحى إلى من تقدمه من النبيين (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) [الشورى : ٣] فإن عمدة الأدلة فى الوحى : الشرع ، قرآنا وسنة.
قد يبدأ الوحى بالرؤيا المنامية يراها العبد المصطفى ويوقن أنها وحى الله تعالى ورؤيا الأنبياء ليست من أضغاث الأحلام التى تترجم بها النفس عن رغباتها المكبوتة ، فأفئدتهم معدة إعدادا إلهيا.
كانت الرؤيا الصالحة أول مطالع الوحى إلى نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم. أخرج أبو نعيم عن علقمة بن قيس قال : «إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم ، ثم ينزل الوحى بعد في اليقظة» (٥). وعن عائشة أنها قالت : «أول ما بدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الوحى الرؤيا الصالحة ـ أو الصادقة ـ فى النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك ، فقال : اقرأ» (٦).
من هذا الحديث يمكن استنباط ثلاث نتائج هى :
أولها : أن قول أم المؤمنين عائشة (من الوحى) يحتمل أن يكون (من) تبعيضية ، أى من أقسام الوحى للأنبياء ، والرؤيا وإن كانت جزءا من النبوة باعتبار صدقها لا غير
__________________
١ ـ المصدر السابق.
٢ ـ ابن القيم : مدارج السالكين ج ١ ص ٢٩ دار الكتاب العربى.
٣ ـ الرازى التفسير الكبير ج ٢٨ ص ٢٤٢ ط ثانية طهران.
٤ ـ العسقلانى : فتح البارى ج ١ ص ٢٧ عام ١٣٧٩ ه.
٥ ـ العسقلانى : المصدر السابق ج ١ ص ٩ ، ٢٣ ، صحيح مسلم بشرح النووى ج ٢ ص ١٩٧. دار الفكر بيروت.
٦ ـ صحيح مسلم بشرح النووى.