وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيا» (١).
ثانيها : أن خلوة النبى «صلىاللهعليهوسلم» مترتبة على الرؤيا الصالحة التى هى قسم من أقسام الوحى ، فإن قيل : «أمر الغار قبل الرسالة ، فلا حكم. أجيب بأنه أول ما بدئ به من الوحى الرؤيا الصالحة ثم حبب إليه الخلاء ... فدل ذلك على أن الخلوة حكم مترتب على الوحى لأن كلمة ثم للترتيب ، فكان ذلك أمعن في الذهاب إلى أن التحنث لم يكن تبعية لعادة ولا رياضة نفسية خاصة ، بل كان وحيا بوحى من عند الله ، والله أعلم حيث يجعل رسالته» (٢).
ثالثها : أنه «صلىاللهعليهوسلم» خاف على نفسه لما رأى الملك أول مرة ...» (٣) فلم يكن «صلىاللهعليهوسلم» ينتظر النبوة ولا متهيئ لها ، وإلا لما خاف على نفسه ، ولو كان كذلك «لظهر عقب ذلك ما كانت تنطوى عليه نفسه الوثابة» (٤).
ولكن لا يعنى ذلك أن كل من رأى رؤيا صادقة تحنث.
والمعنى أن النبى «صلىاللهعليهوسلم» كان يرى الرؤيا فتقع كما رأى ، وتلك إرهاصات الوحى ، وكانت مدته قبل وحى اليقظة الصريح ستة أشهر (٥). ولقد كان ذلك هو الحال مع إبراهيم عليهالسلام حين نزل الأمر بذبح إسماعيل (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) [الصافات : ١٠٢] فضلا عن دلالته على أن رؤيا الأنبياء أمر إلهى يترتب عليه آثار سلوكية ، فإنها «كلها وحى مقطوع على صحته» (٦).
مراتب الوحي ووسائله : ـ
حددت الآية (٥١) من سورة الشورى ضروب تكليم الله تعالى لأنبيائه ـ وإن كان هذا الأمر لا يعرف كنهه ـ : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)).
تضمنت الآية ثلاث مراتب للوحى :
المرتبة الأولى : وهو المراد بقوله تعالى : (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) وهو نفث
__________________
١ ـ العسقلانى : السابق.
٢ ـ القسطلانى : إرشاد السارى لشرح صحيح البخارى ج ٦ ص ٣٤. المطبعة الأميرية بمصر سنة ١٣٠٤ ه.
٣ ـ رشيد رضا : الوحى المحمدى ص ٩٣ ـ ٩٤ الطبعة السادسة ١٣٨٠ ه.
٤ ـ المرجع السابق.
٥ ـ البيهقى : دلائل النبوة ج! ص ٣٩٣ ط أولى. دار النصر للطباعة. القاهرة.
٦ ـ ابن حزم الفصل ج ٥ ص ١٤. مكتبة السلام العالمية. القاهرة (ب ـ ت)