ينفث في قلبه فيكون إلهاما (١) فقد جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» أنه قال : «إن روح القدس نفث في روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ...» (٢) وهى حالة فيض إلهى يتعرض لها النبى حتى إذا ما فارقته كان قد وعى تماما ما ألهم به.
المرتبة الثانية : وهو الذى «وصل إليه الوحى لا بواسطة شخص آخر ولكنه سمع عين كلام الله» (٣) والسامع لا يبصر من يكلمه ، وهو المقصود بقوله تعالى : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كما حدث لموسى عليهالسلام (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤].
والله تعالى فضل بعض الرسل على جميعهم بالتكليم في اليقظة من وراء حجاب دون وساطة ملك ، لكن بكلام مسموع بالآذان معلوم بالقلب زائد على الوحى المسموع من الملك عن الله تعالى (٤) وهذا النوع كما هو ثابت لموسى ثابت لنبينا محمد «صلىاللهعليهوسلم» ليلة الإسراء والمعراج. قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [البقرة : ٢٥٣].
وسماع النبى من الله ـ فيما يقول الغزالى ـ يكون بخلق الله علما ضروريا يدرك به الرسول ثلاثة أمور.
أولها : أن المتكلم هو الله تعالى. وثانيها : أن ما سمعه هو كلام الله.
وثالثها : مراد الله من كلامه (٥).
أما المرتبة الثالثة : فإنها تكون عن طريق الملك الذى يأتى النبى فينقل إليه كلام الله ، أى «وصل إليه الوحى بواسطة شخص آخر ، وهو المراد بقوله تعالى : (أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء)» (٦) والمعنى بالرسول ملك الوحى المعبر عنه بالروح الأمين وهو جبريل (٧) عليهالسلام.
والله سبحانه ميز بين هذه المراتب الثلاثة ، ففرق بين «الوحى وبين إرسال الرسول
__________________
١ ـ القرطبى : الجامع لأحكام القرآن ص ٥٨٧٣ كتاب الشعب مصر
٢ ـ ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٢١ الحلبى مصر
٣ ـ الرازى : التفسير الكبير ج ٢٧ ص ١٨٦
٤ ـ ابن حزم الفصل ج ٢ ص ٨
٥ ـ عبد اللطيف السبكى : الوحى إلى الرسول محمد ص ٨٣ ـ ٨٤. مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. القاهرة.
٦ ـ الرازى : السابق.
٧ ـ يتساءل المستشرق (دى بور) ساخرا : ما السبيل إلى معرفة الروح الذى هو أسمى من روحنا والذى نحن في حاجة إلى هدايته؟ ثم يقول : هذا سؤال إذا نظرنا إليه بمنظار العقل المجرد فقد يتحطم على صخرته كل مذهب دينى يقول بوساطة إنسان ما (انظر : تاريخ الفلسفة في الإسلام ترجمة د. أبو ريدة ـ