الذى يوحى بإذنه ما يشاء ، كما فرق بين ذلك وبين المتكلم في قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى قوله تعالى (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٣ ـ ١٦٤] ففرق بين الإيحاء العام المشترك بين الأنبياء وبين تكليمه موسى ، كما فرق بين الإيحاء وبين إرسال رسول يوحى بإذنه ما يشاء (١). هذه مراتب الوحى الخاص الذى لا يكون لغير الأنبياء ، وذكر الإمام ابن القيم فى مدارج السالكين مراتب أخرى دون الوحى الخاص هى مرتبة التحديث أو الإلهام (٢).
نخلص مما سبق إلى أن النبوة «ليست صفة راجعة إلى النبى ولا درجة يبلغ إليها أحد بعلمه وكسبه ولا استعدادا نفسيا يستحق به اتصالا بالروحانيات ، بل رحمة من الله يمن بها على من يشاء ..» (٣).
كيف كان يأتى الوحى؟ :
لا شك في تلقى الملك من الله تعالى ثم تلقى النبى منه ، أما «صفة تلقى الملك من الله فلا نعلمها لأنها من الغيب ولا صفة تلقى النبى من جبريل لأنه من شأن النبوة» (٤).
أما عن كيفية مجىء الوحى ، فيقول الرسول «صلىاللهعليهوسلم» : «أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده على فيفصم عنى وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعي ما يقول» (٥).
ذهب العلماء في طرق التنزيل مذهبين :
الأول : يقول بانخلاع «النبى من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل» (٦) لأن النبى إذا «شارك الناس في البشرية والإنسانية من حيث الصورة باينهم من حيث المعنى ، إذ بشريته فوق بشرية الناس لاستعداد بشريته لقبول الوحى : (قُلْ
__________________
ص ٢٢٨ سنة ١٣٥٧ ه). ونسأل دى بور : ما رأيك في اليهودية. ألا تؤمن بها؟ فإن أجاب بنعم. فلا محل لسؤاله وتهكمه لأن الذى جاء بالتوراة متوسط جسمانى هو موسى عليهالسلام. وإن أجاب : بلا. فهو كافر باليهودية وعهدها القديم كافر بالنصرانية ، ومن ثم يقول ولا حرج ، فإن لم يستح فليصنع ما يشاء.
١ ـ ابن تيمية : الصفدية ص ٢٠٤ ، تحقيق د. محمد رشاد وسالم مطابع حنيفة بالرياض ١٣٩٦ ه
٢ ـ ابن القيم : مدارج السالكين ج ١ ص ٤٥ ـ ٥١ عام ١٣٩٢ ه.
٣ ـ الشهرستانى : الملل والنحل ص ٨٤ بهامش الفصل ١٩٦٨ م.
٤ ـ رشيد رضا : تفسير المنار ج ١.
٥ ـ ابن حجر : فتح البارى ... ج ١ ص ٤٥ ، والدهلوى : حجة الله البالغة ج ٢ ص ٢٠٦ دار التراث بالقاهرة.
٦ ـ السيوطى : الإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ٤٤ ط ٣ الحلبى القاهرة.