الموزون الذى هو أحسن الكلام.
«... وأما قياسه بكل معجزة فطنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذا كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلا واحدا في الإعجاز إذا خرج عن العادة قعد الخلق فيه عن المعارضة».
القرآن إذن خالف جميع الكلام «الموزون والمنثور ، وهو منثور غير مقفى على مخارج الأشعار والأسجاع فصار نظمه من أعظم البرهان وتأليفه من أكبر الحجج (١) وليس وجه الإعجاز في نظم القرآن لأنه حكاية عن كلام الله وإلا كانت التوراة والإنجيل مثله في الإعجاز فأى منهما ليس بمعجز في النظم والتأليف وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الأخبار بالغيوب.
ولكن كيف يمكن الوقوف على الجانب الإعجازى للقرآن؟.
يقول الزمخشرى : «... لا يغوص على شىء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع فى علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعانى وعلم البيان ، وتمهل في ارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنهما أزمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ فارسا في علم الإعراب ... ذا دراية بأساليب النظم والنثر ... قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف .. وكيف ينظم ويرصف ...» (٢).
يقول (أتيين دينيه) : «إن نبى الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذى لم يعتمد في إتمام رسالته على المعجزات وليست ... الكبرى إلا بلاغة التنزيل الحكيم» (٣).
لقد كان القرآن معجزا في كلامه البين الواضح الذى تحداهم الإتيان بمثله ، وهذا التحدى هو أحد أوجه إعجازه ، فقد جاء في التنزيل في نص التلاوة (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨)) [الإسراء : ٨٨]. وقال : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [هود : ١٣].
ويدلل الجرجانى على عجز العرب حين تلا عليهم القرآن وتحدوا إليه وذلك
__________________
١ ـ الجاحظ : البيان والتبيين ج ١ ص ٣٩٣.
٢ ـ الزمخشرى : الكشاف ج ١ ص ٣ الطبعة الأولى المطبعة الشرقية.
٣ ـ دينيه (ناصر الدين) : أشعة خاصة بنور الإسلام ص ١٦ ترجمة راشد رستم. المكتب الفنى بيروت ١٩٦٠ م.