بدلالة أحوالهم. ودلالة الأحوال ـ فيما يرى ـ تتلخص فيما يأتى :
١ ـ المتعارف من عادات الناس التى لا تختلف وطبائعهم التى لا تتبدل أن لا يسلموا لخصومهم الفضيلة ، وهم يجدون سبيلا إلى دفعها ، ولا ينتحلون العجز وهم يستطيعون قهرهم والظهور عليهم» (١).
٢ ـ فإذا كان كذلك فكيف يجوز أن يظهر في صميم العرب ، وفي قريش ذوى الأنفس الأبية والهمم العالية ... من يدعى النبوة ويخبر أنه مبعوث من الله تعالى إلى الخلق كافة .. ثم يقول : حجتى كتابا عربيا مبينا تعرفون ألفاظه وتفهمون معانيه ... إلا أنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثله ولا بعشر سور منه ولا بسورة واحدة ... ثم لا تدعوهم نفوسهم إلى أن يعارضوه ويبينوا سرفه في دعواه مع إمكان ذلك» ..؟ (٢) وقال (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] مبالغة في تقريعهم بالعجز عنه.
٣ ـ هل يجوز أن يخرج خارج من الناس على قوم لهم رئاسة ولهم دين ونحلة فيؤلب عليهم الناس ويدبر في إخراجهم من ديارهم وأموالهم وفي قتل صناديدهم وكبارهم وسبى ذراريهم وأولادهم وعدته التى يجد بها السبيل إلى تألف من يتألفه ، ودعاء من يدعوه دعوى إذا بطلت بطل أمره كله وانتقض عليه تدبيره ، ثم لا يعرض له في تلك لدعوة ولا يشتغل بأبطالها مع إمكان ذلك ومع أنه ليس بمعتذر ولا ممتنع؟ (٣).
ولا معنى لهذا إلا العجز التام عن أبطال حجة النبى «صلىاللهعليهوسلم».
ثم يخبر الله تعالى أن عجزهم هذا ينسحب على الماضى والمستقبل وذلك فى قوله (.. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) يعنى فيما مضى (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أى تطيقوا ذلك فيما يأتى. وفيه إشارة لهم لتحريك نفوسهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع وهذا من الغيوب التى أخبرهم بها القرآن قبل وقوعها» (٤).
من هنا لا يجوز لقائل أن يقول : إن كان أهل عصر النبى «صلىاللهعليهوسلم» قد عجزوا عن الإتيان بمثله فإن أهل الأعصار التالية لن يعجزوا ، وذلك لأن أهل ذلك العصر كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله فمن بعدهم أعجز لأن فصاحة أولئك ... مما لا يزيد عليه فصاحة من بعدهم وأحسن أحوالهم أن يقاربوهم أو يساووهم فأما أن يتقدموهم أو يسبقوهم فلا ، فضلا عن أن التحدى في الكل على جهة واحدة والتنافس فى
__________________
١ ـ الجرجانى : الرسالة الشافية ص ١١٩ ـ ١٢١. ثلاث رسائل المصدر السابق.
٢ ـ الجرجانى : الرسالة الشافية ص ١١٩ ـ ١٢١. ثلاث رسائل المصدر السابق.
٣ ـ الجرجانى : الرسالة الشافية ص ١١٩ ـ ١٢١ ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.
٤ ـ القرطبى : الجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٢٢٠١ ، وابن كثير تفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٥٩.